آخر الأخباراخبار المسلمين › الإفتاء توضح .. هل يجوز أكل طعام شخص ماله حرام

صورة الخبر: دار الإفتاء المصرية
دار الإفتاء المصرية

هل يجوز أكل طعام من شخص ماله حرام ؟ وما حكم التعامل مع من اكتسب مالاً من طرق غير مشروعة، سؤال أجابت عنه دار الإفتاء المصرية.

اكتسب ماله من حرام
وقالت دار الإفتاء في بيانها الحكم الشرعي: اكتساب المال بالطرق غير المشروعة يعتبر أكلًا لأموال الناس بالباطل، وقد قال الله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ? [النساء: 29]، ?وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ? [البقرة: 188].

وتابعت: حقيقة الأمر أن جميع الأموال التي يضع الإنسان يده عليها هي ملك لله تعالى وإنما تضاف لملكية الإنسان على سبيل المجاز وما هو إلا عبد من عباد الله قد استخلفه المالك الحق سبحانه في إدارة تلك الأموال على جهة الابتلاء والاختبار؛ قال تعالى: ?ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ? [يونس: 14]، وقال سبحانه: ?وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ? [النور: 33]، وقال تعالى: ?آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ? [الحديد: 7].

يقول الإمام القرطبي في "تفسيره" (17/ 238، ط. دار الكتب المصرية): [?مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ? دليل على أن أصل الملك لله سبحانه، وأن العبد ليس له فيه إلا التصرف الذي يرضي الله] اهـ.

ويقول العلامة العبدري المالكي في "المدخل" (1/ 132، ط. دار التراث): [وإن كان للإنسان أن يتصرف في ماله لكن تصرفًا غير تام محجورًا عليه فيه؛ لأنه لا يملك الملك التام؛ لأنه أبيح له أن يصرفه في مواضع ومنع أن يصرفه في مواضع، فالمال في الحقيقة ليس هو ماله وإنما هو في يده على سبيل العارية على أن يصرفه في كذا ولا يصرفه في كذا، وهذا بيِّن منصوص عليه في القرآن والحديث] اهـ.

وشددت: بناء على هذا: فإن تصرف الإنسان في المال بأي صورة كانت هو في الحقيقة تصرف في غير ملكه، والتصرف في ملك الغير يتوقف على إذن صاحبه، وقد أذن الله تعالى للإنسان في اكتساب المال، والانتفاع به وإنفاقه بطرق مشروعة ومحددة، فما اكتسبه بغيرها لم يملكه ولم يكن له حق التصرف فيه ولو في وجوه البر، فلو تصدق بمال غصبه ظلمًا مع إمكان رده أثم على الغصب، وعلى تصرفه في المال ولم يكتب له ثواب الصدقة.

قال الإمام القرطبي المحدِّث في كتاب "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (3/ 59، ط. دار ابن كثير، ودار الكلم الطيب): [وإنما لا يقبل الله الصدقة من المال الحرام؛ لأنه غير مملوك من المتصدق، وهو ممنوع من التصرف فيه، فلو قبلت منه لزم أن يكون مأمورًا به منهيًا عنه من وجه واحد وهو محال] اهـ.
وقالت: إذا كان ما في يد الإنسان من المال لم يكتسبه إلا بطرق غير مشروعة لم يكن ملكًا له، ولا يجوز لمن علم بحاله هذا أن يعامله ويقبض من عين هذا المال إلا ليرده على مالكه الأصلي إذا كان معروفًا أو يتصدق به عنه، وإلا فهو تعاون على الإثم والعدوان وأكل لأموال الناس بالباطل، يقول العلامة ابن رجب الحنبلي في "جامع العلوم والحكم" (1/ 210، ط. دار السلام): [ومتى علم أن عين الشيء حرام، أُخِذَ بوجه محرم، فإنَّه يحرم تناوله، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن عبد البر وغيره] اهـ.

ويقول العلامة الدسوقي من المالكية في "حاشيته على الشرح الكبير" (3/ 277، ط. دار إحياء الكتب العربية): [وأما من كان كل ماله حرام وهو المراد بمستغرق الذمة؛ فهذا تمنع معاملته ومداينته ويمنع من التصرف المالي وغيره] اهـ.

ويقول الإمام النووي في "روضة الطالبين" (7/ 337، ط. المكتب الإسلامي): [دعاه مَن أكثر ماله حرام، كرهت إجابته كما تكره معاملته. فإن علم أن عين الطعام حرام، حرمت إجابته] اهـ.

ويقول العلامة ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (4/ 180، ط. دار إحياء التراث العربي): [وإذا اشترى ممن في ماله حرام وحلال؛ كالسلطان الظالم، والمرابي، فإن علم أن المبيع من حلال ماله، فهو حلال، وإن علم أنه حرام، فهو حرام] اهـ.

واستطردت: أما إذا كان قد اكتسب بعض المال بطرق مشروعة وبعضه بطرق غير مشروعة فإنه إذا أمكن تمييز حلال هذا المال عن حرامه؛ جاز التعامل بحلاله، وحرم التعامل بحرامه؛ لأن هذا هو الأصل في تداول الأموال.

ولفتت: أما إذا اختلط حلال المال بحرامه ولم يمكن التمييز بينهما، فلا يخلو الحال من أن يكون مقدار المال الحرام هو الأكثر الغالب، أو هو الأقل، أو يكون قد تساوى حلال المال وحرامه، أو تكون النسبة بينهما مجهولة؛ فما لم يكن مقدار الحرام هو الأكثر الغالب جاز التعامل؛ لأن الظاهر امتلاك الإنسان ما في يده، ولا يُعدل عن الظاهر إلا بعلم أو ظن غالب، ولا يحصل شيء من هذا إلا بتمييز المال الحرام أو بكونه غالبًا على الحلال، أما مجرد الشك أو التكهن فإنه لا يقوى على رفع الظاهر الراجح، كما أن مجاراة الشكوك في مثل هذا الأمر توقع الناس في المشقة والحرج وتعم بها بلواهم فلا بأس حينئذ من المعاملة؛ لأن القاعدة أن "ما عمت بليته خفت قضيته"، و"ما ضاق على الناس أمره اتسع حكمه". ينظر: "الأشباه والنظائر" للعلامة ابن نجيم (ص: 84، ط. دار الكتب العلمية)، و"فتح القدير" للعلامة ابن الهمام (9/ 310، ط. دار الكتب العلمية).

أما إذا كان الحرام هو الغالب، فالأصل حينئذ أن المعاملة تجوز مع الكراهة، لكن إذا ترتب على ترك المعاملة في هذه الحالة وقوع أحد الطرفين في الحرج أو حالة الضرورة، أو عمت بلوى الناس بذلك، جاز التعامل بلا كراهة؛ لأن وقوع التعامل بالمال الحرام يكون حينئذ محلّ ظن، بينما وقوع الحرج أو البلوى يكون محلّ قطع، والقطع مقدم على الظن، كما أنه قد تقرر في قواعد الفقه الإسلامي أنه "إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما" -"الأشباه والنظائر" للامام السيوطي (ص: 87، ط. دار الكتب العلمية)-، ومفسدة أخذ مال غير مقطوع بحرمانيته أخف من مفسدة وقوع الحرج أو الضرر أو عموم البلوى، ففي مثل هذه الأحوال يترجح القول بالجواز مطلقًا بلا كراهة.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته الكرام يتعاملون بمختلف المعاملات وعقود التجارة مع اليهود والمشركين وهم لا تكاد تخلو أيديهم من المال الحرام، كأموال الربا وثمن الخمر والفسق والأصنام وغير ذلك من المنكرات، ومع هذا جاز معاملتهم؛ لعموم البلوى واختلاط حرام أموالهم بحلالها، وعدم تميز المال الحرام بسمة ظاهرة.

وأكدت: لم يرد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان من عادته أن يسأل من يعاملهم من غير المسلمين أو يستفصلهم عن الطريقة التي اكتسبوا بها أموالهم، ولا ورد ذلك عن الصحابة الكرام، ولا أمرهم النبي عليه الصلاة والسلام بذلك، مع القطع باكتساب غير المسلمين للكثير من الأموال بطرق محرمة شرعًا، وهذا مع قيام الاحتمال الكبير في انتقال تلك الأموال إلى أيدي المسلمين بمختلف التعاملات، والقاعدة الفقهية التي قررها الإمام الشافعي رضي الله عنه ووافقه فيها جمهور العلماء هي أن: "ترك الاستفصال في وقائع الأحوال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم من المقال". ينظر: "البحر المحيط" للعلامة الزركشي (4/ 201-203، ط. دار الكتبي)، و"شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع" (2/ 24، ط. دار الكتب العلمية)، وبحث "قاعدة ترك الاستفصال دراسة أصولية تطبيقية" (ص: 113) للدكتور عبد الرحمن القرني، مجلة "جامعة أم القرى" (جـ17، ع32، ذو الحجة 1425هـ).

وقالت: تعامل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته مع غير المسلمين دون استفصال عن جهة اكتساب المال، ينزل بمنزلة عموم الإذن في معاملتهم سواء كانت أموالهم حلالًا صرفًا أو كانت مختلطة لا يتميز حرامها من حلالها -وإن غلب الظن بأن أكثرها مكتسب من الحرام- ما دام التداول يتم بينهم وبين المسلمين بصورة من صور العقود المشروعة، أما عند تيقن أن ما في أيديهم من المال حرام صرف فهذا منهي عنه يحرم معاملتهم به أو تداوله كسائر المحرمات المنهي عن تداولها أو تداول أثمانها.

فقد روى البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ، وَمَهْرِ البَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الكَاهِنِ". وفي لفظ أبي داود: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَحِلُّ ثَمَنُ الْكَلْبِ، وَلَا حُلْوَانُ الْكَاهِنِ، وَلَا مَهْرُ الْبَغِيِّ».

وروى أبو داود في "سننه" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ وَثَمَنَهَا، وَحَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَثَمَنَهَا، وَحَرَّمَ الْخِنْزِيرَ وَثَمَنَهُ»، وروى أبو داود من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: «إِنَّ اللهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ».

وشددت: التعامل بالمال المختلط فيه الحلال والحرام دون أن يتبين أحدهما عن الآخر يعتبر من الشبهات التي يستحب اجتنابها استبراء للدين والعرض، ويكره الإقدام عليها من غير حاجة ملحة تدعو إليها، اتقاء للشبهات ومخافة للوقوع في الحرام؛ لما رواه البخاري ومسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ».

طعام من اشتمل ماله على الحرام
ويقول الشيخ أبو بكر الشافعي من علماء الأزهر الشريف عبر صفحته الرسمية يقول فيه: " حكم أكل طعام من اشتمل ماله على الحرام: من كان ماله مختلطًا بالحلال والحرام ، فلا حرج من الأكل من طعامه بنية الأكل القسم الحلال ، مشيرا الى ان النبي صلى الله عليه وسلم عامل اليهود مع أن أموالهم فيها كثير من الحرام وأكل من طعامهم .
واستدل بما صح عن ابن مسعود أنه سئل عمن له جار يأكل الربا علانية ولا يتحرج من مال خبيث يأخذه يدعوه إلى طعام. قال: (أجيبوه، فإنما المهنأ لكم والوزر عليه).

المصدر: elbalad

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على الإفتاء توضح .. هل يجوز أكل طعام شخص ماله حرام

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
71949

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري