فض اعتصام المعارضة اللبنانية واخلاء شوارع العاصمة بيروت، ثم انتخاب ميشيل سليمان رئيسا توافقيا للبنان هما أول ثمار اتفاق الدوحة بين الفرقاء اللبنانيين.. تعقبه ثمار أخري أهمها تشكيل حكومة الاتحاد الوطني وتعديل القانون الانتخابي.
المقللون من أهمية اتفاق الدوحة بين الفرقاء اللبنانيين يرون انه لم يوفر سوي فترة استرخاء قصيرة بين الأطراف المتناحرة ويصفونه بأنه حقنة مخدر تسمح بمرور صيف هاديء علي لبنان.. لكنه لم يقدم في رأيهم الاجابات علي الأسئلة الجوهرية التي تهدد السلم الأهلي في البلاد مثل النظام السياسي القائم علي الطائفية وعدم معالجة مسألة عدالة التمثيل السياسي في المناصب الكبري وتناسبها مع الموازين الطائفية، أو مسألة الولاءات المختلفة أو العلاقة مع سوريا وسلاح المقاومة والمحكمة الدولية للتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري وما تبعه من اغتيالات.
ويقتضي الانصاف النظر إلي هذا الاتفاق في سياقه وحجمه الصحيحين، وعدم تحميله أكثر مما يحتمل، أو مطالبته بما لم يعد أو يجنتظر منه. فقد عقد مؤتمر الحوار الوطني اللبناني في الدوحة أولا وأخيرا من أجل حقن الدماء اللبنانية وتجنب الانزلاق في حرب أهلية، ومن أجل حلحلة الوضع المتجمد منذ 18 شهرا، وملء الفراغ الرئاسي السائد منذ ستة أشهر وتشكيل حكومة اتحاد وطني تتمكن من ادارة شئون البلاد بسهولة وكفاءة. ولو لم تسفر لقاءات الدوحة سوي عن تلافي الحرب الأهلية والتزام الفرقاء بعدم استخدام السلاح لوجب علي اللبنانيين الامتنان لهذا الانجاز حتي لو لم يصل إلي سقف طموحاتهم.
هكذا يصبح من الظلم محاولة المقارنة بين اتفاق الدوحة واتفاق الطائف مثلا الذي أنهي حربا أهلية استمرت ما يقرب من 17 عاما.. لكنه في المقابل وضع نظاما توافقيا طائفيا منح السنة رئاسة الحكومة والشيعة رئاسة البرلمان والمسيحيين المارونيين رئاسة البلاد. وكان هذا التوافق متناغما تقريبا مع التركيبة السكانية آنذاك ومحاولة لإرضاء كل الأطراف. أما الآن وقد تغيرت الموازين الديموجرافية الطائفية في لبنان فليس مطلوبا من مؤتمر الدوحة أن يعالج مظاهر التغير بفعل الزمن وأن يشد وجه اتفاق الطائف.. لاسيما أن تغيير النظام السياسي اللبناني يحتاج إلي نقاش داخلي عميق وصريح وأكثر من هذا يحتاج إلي حالة نفسية يعتريها الهدوء كي يخرج هذا النقاش بمحصلة مفيدة للجميع.
صحيح أن بنود اتفاق الدوحة تشيع الشعور بأن المعارضة قد فرضت ارادتها، وتمكنت من الحصول علي أكثر من الثلث الضامن بحصولها علي 11 مقعدا في الحكومة بما يحولها إلي ثلث قادر علي التعطيل.. وصحيح انها فرضت ارادتها مع بعض المجاملة (للأكثرية) في مسألة قانون الانتخاب خاصة ما يتعلق بانتخابات العاصمة كي يضمن زعيم تيار المستقبل سعد الحريري غالبية مقاعد بيروت، إلا أنه في المقابل هناك عدد من المعطيات الأخري التي تقلل من هول هذا النجاح الطاغي للمعارضة.. فالحكومة القادمة ستولد منقوصة المدة ولن تبقي أكثر من 11 شهرا لو تم الالتزام بباقي بنود الاتفاق ومواعيدها لأنها ستترك مكانها فور انتهاء الانتخابات البرلمانية. ومن المعروف أن تعديل القانون الانتخابي التي ستجري وفقا له انتخابات 2009 سوف يؤثر علي تقاسم السلطة بعد الانتخابات.
وهذه الحقيقة تدركها الأكثرية تماما وكامنة في خلفيات قدر التنازلات الذي قدمته، بدليل انه بعد أن كان سعد الحريري مرشحا لتولي رئاسة الوزراء.. عادت التسريبات لتلغي هذه الفكرة وتقول ان المرشح سيكون فؤاد السنيورة حتي لا يتولي الحريري رئاسة حكومة محدودة المدة.
من جانب آخر، فإنه من الصعب أن يتجاهل المراقبون تزامن الاعلان عن المحادثات الاسرائيلية السورية مع التوصل إلي اتفاق الدوحة.. وما يمكن أن يظهر من أثر لهذه المحادثات علي العلاقة الوثيقة بين حزب الله وسوريا، وما قد يفقده الحزب من كامل الدعم السوري له واختلال ما يسمي بجبهة الممانعة لو خرجت منها سوريا نحو اتفاق مع اسرائيل.
ومن الواضح أنه رغم كل الايجابيات التي حملها اتفاق الدوحة والتي فاقت أحلام اللبنانيين، إلا أن الحكومة المقبلة سوف تواجه مهاما صعبة.. اذ سيكون عليها أن تتعامل مع ما لم يحسمه اتفاق الدوحة فتقرر موقفها من المحكمة الدولية، الأمر الذي يسبب خلافا حادا بين المعارضة الموالية لسوريا وبين الأكثرية بزعامة سعد الحريري، وأن تقرر موقف البلاد من سلاح المقاومة لاسيما أنه من غير المحتمل أن تسقط الأكثرية دعوتها لنزع سلاح الميليشيات خاصة سلاح حزب الله، كما ورد في قرار الأمم المتحدة .1559 وعليها أن تعالج مسألة الاقتصاد اللبناني الذي يعتبر أحد أهم التحديات التي ستواجه الحكومة القادمة بعد أن عانت البلاد في السنوات الثلاث الأخيرة من تراجع شديد أدي إلي ما يشبه الشلل الاقتصادي
أضف هذا الخبر إلى موقعك:
إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك
كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!