آخر الأخباراخبار الفن والثقافة › "رائحة السينما".. رائحة الوجع والدمّ والمصائرالواحدة

صورة الخبر: "رائحة السينما".. رائحة الوجع والدمّ والمصائرالواحدة
"رائحة السينما".. رائحة الوجع والدمّ والمصائرالواحدة

عندما تقرأ لشاعر يتخفى خلف قصصه لابد انك وقعت في شرك من صنع نزار عبد الستار الكاتب والقاص العراقي الشاهد الجديد الذي يستخدم عمليات الخلق والولادة والإبداع في شاهدته على أن العراق لن تَفنى .. ولن تموت.. مهما تفننت كل قوى العالم في طُرق قتلها أو حتى تفتيتها، حيث أن كل كتب التاريخ التي كتبها أصدقاء العراق وأيضا أعداءها كانت الحقيقة المشتركة الوحيدة أن العراق غير قابل للفناء.. لا تموت ولن تموت, لا تُفنى.. ولا تفنى, كانت هذه الإجابة التي أردت أن أقولها لصديق عمري محمد حسن عندما أمسك ظرف البريد الذي وصل إلى مكتبي في بلدة المنصورة, البلدة البعيدة عن القاهرة مائة وخمسين كيلوا متر، البعيدة عن العاصمة الثقافية لمصر، وقال لي من العراق!!.. مندهشا, كان تعبيره,أو سؤاله التعجبي الذي لا يصدق..

وفى نفس الوقت يندهش أن وسائل البريد العادية تعمل في هذا الوقت, وبشكل آخر أن العراق بها حياة أخرى غير حياة البندقية والسكين، وبها مُشاهدات أخرى غير الدم، وبها إبداع وفنون، كل هذا الزخم والحراك المعرفي والجدلى البسيط والمدهش كان مدخلا أساسيا قبل قراءة أول صفحات مجموعة رائحة السينما القصصية الصادرة عن دار أزمنة سنة 2008 في طبعتها الأولى للمبدع نزار عبد الستار. حيث هذه المجموعة جعلتني أعود إلى يقيني أن "رائحة السينما".. رائحة البشر.. رائحة الوجع.. رائحة الدم في مصر والعراق.. واحدة لا فروق جوهرية أو غير جوهرية.

إن النفس الروائي واضح تماما خلال هذه المجموعة المكونة من 7 قصص في 110 صفحة، ببنط طباعة صغير وهوامش صغيرة جدا، حيث أن متوسط القصة الواحدة من 15 إلى 20 صفحة، وبهذا الشكل الموجود في هذه المجموعة أرى أن نزار مؤهلاً جدا لكتابة الرواية,ليس من باب الفن الأكثر توزيعا، والأكثر شهرة,والأشد سيادية على المشهد الأدبي, ولكن من باب أن هذا الرجل لديه ما يقول وما يحكى، لدية الثراء اللغوي والاختزال,لدية التناصات المتعددة مع التراث, لذا لابد أن نقول له لا تبخل علينا يا رجل, نحن والعراق نريدك أن تحكى عنا بالتفاصيل وبفضفضة لانهائية، إننا نريد أن يكتبنا الصادقين والموهوبين جدا أمثالك.أننا نريد أن نقرأ أنفسنا من كتاباتكم, ونرى أنفسنا من خلال عيونكم وليس عيوننا التي لا تعرف غير البكاء.

إن التشريح كمفهوم وعمل طبي يمارسه القاص هنا بمهارة تفوق الطبيب حيث جعلته هذه المهارة يفصص الأشخاص بشكل مشابه تماما لتقشير وتشريح وتفصيص قطعة من الفاكهة مثل البرتقال وتقديمه في أفضل شكل من اجل أن يستمتع الناقد.. القارئ.. المتلقي بكامل الثمرة وكل مافيها حتى نشعر بمذاقها دون معوقات سوى الاستمتاع أولا ثم اكتشاف كل تفاصيل الحياة والشخوص وخاصة ماله اتصال من بعيد أو قريبا بالعراق, إنها طريقة نزار عبد الستار في السرد.. حيث الحكي في رائحة السينما التي يطلقها علينا من العراق لتصل إلى مصر وسوف تصل إلى بقاع كثيرة في الكرة الأرضية وحتى نفهم أكثر لابد أن نقرأ ونراه وهو يقول في ص 56 "تجعله يبدو أكثر زهوا من معوق لا يملك سوى امتيازات الشفقة" هكذا يقدم بطل قصة صندوق الأماني واصفا إياه.

وفي ص57 يقول "يحقق التقدم المطلوب نحو لقب خليفة اشهر مشعوذ في تاريخ الموصل", إنها بالفعل طريقة نزار في تقديم شخوصه وأبطاله الذين يعيشون داخل الهزيمة ولكنهم يصنعون نصرهم الذي يخصهم, وبالتالي كان لابد أن تكون واحدة من أبطاله كما يقول ص 14"على صلة قوية بأحاسيسها" في قصة أبونا التي تمثل سيناريو كامل لمشروع فيلم سينمائي عن امرأة عراقية تشبه أمي المصرية حيث لا خلاف في الازمة والروح والرائحة واحدة بين مصر والعراق.

إن ملامح الأشخاص النفسية والإنسانية هي الأهم عند نزار في نحت شخوصه وأبطاله الذين يشبهوننا حيث في قصة رائحة السينما ص 24 يقول على لسان صبرية عن ابن أخيها" تأخذ منه ملابسه المتسخة برائحة السينما".

كان السرد يتخذ صوت رائق وحكى شديد الخفوت وشديد العمق عبر كل قصص المجموعة وبقدر ماهو خافت إلا انه مؤلم وواضح وضوح الجرح العراقي والإنساني العام والعربي.
إن المجموعة محملة بشعرية جميلة حيث العديد من الجمل التي يمكن أن تُكون قصائد نثر عديدة وحداثية تجعل من السهل صنع قصيدة سوف تستمتعون بها وتتألمون ومنها:

"استيقظ فيه الملل
يفتتح مزادات بيع الأسرى
ضغينة فوتوغرافية"

أدركت أن روحه ستطلع قبل روحها إذا لم يجد من يستثمر مواهبه التي بدأت تدمره.. تذكرت أنها بحاجة إلى صور لدفتر أمراضها المزمنة.

المصدر: العرب أون لاين-هشام الصباحى

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على "رائحة السينما".. رائحة الوجع والدمّ والمصائرالواحدة

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
92142

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري