هل التبول اللاإرادي الليلي عند طفلك وراثي؟
على مدى العديد من السنوات من البحث والدراسة، بدأت المزيد من الأدلة تظهر على وجود جين أو جينات بعينها تجعل من مشكلة التبول الليلي اللاإرادي مشكلة وراثية، وهذه الجينات غالباً ما ستنتقل إلى الأبناء!
هل التبول اللاإرادي الليلي عند طفلك وراثي؟
عندما ينظر الأب والأم لنفسيهما في المراة، فإن كل منهما يحلم سراً أو صراحة بنسخة مصغرة منه، تحمل ملامحه وتتصف بصفاته التي يحب، وتستثني تلك التي لا يفضلها في نفسه وشكله. وعندما يتحقق الحلم ويأتي الطفل فإن أول ما يبدأ الوالدين وعائلتيهما بالبحث عنه في الطفل هو ملامح من يحمل، الأب؟ الأم؟ ملامح كليهما؟! وقد لا يخطر على بال الكثير من الاباء أثناء تفحصهم عن قرب لوجه الطفل أن جيناتهم التي انتقلت لأطفالهم لا تقتصر على صفاتهم وملامحهم التي يحبون فحسب، بل يمتد ليشمل مشاكل عانى منها أحد الوالدين أو كلاهما في زمن قريب أو بعيد (شاهد بالصور: كيف تنتقل الأمراض بالوراثة)، ومن هذه المشاكل، التبول الليلي اللاإرادي في الطفولة.
يحدث أن يبلل الطفل سريره بالليل، دون قصد منه، ودون أن يستطيع التحكم بنفسه. وفي العادة يتعلم الأطفال استخدام المرحاض بشكل سليم خلال النهار بشكل أسرع بكثير من تعلمهم للتحكم بأنفسهم خلال ساعات الليل (علمي طفلك استخدام المرحاض بهذه الخطوات). بل قد يستغرق الأمر من الطفل أشهراً أو سنوات حتى يتعلم التحكم بنفسه ليلاً والاستيقاظ في سرير جاف. ويتوقف بالعادة الطفل عن تبليل سريره بين عمر 5-6 سنوات، وهذه الظاهرة أكثر شيوعاً بين الأطفال الذكور والأطفال الذين ينامون بعمق.
دور الوراثة في ظاهرة التبول الليلي
بينما قد يبدو تبليل الطفل لسريره أمراً طبيعياً، إلا أن هذه التجربة بحد ذاتها قد تصبح ذكرى مؤلمة للطفل أو حتى قد تسبب له صدمة على المدى الطويل إذا لم يتم التعامل معها بالطريقة الصحيحة. لذا فإن فهم الأسباب قد يساعدنا على تدارك المشكلة وإيجاد الحل الملائم تبعاً للحالة التي نواجهها.
وفي بحثنا عن الأسباب قد تكون جيناتنا هي أول المشتبه بهم! في هذا الشأن يقول هوارد بينيت بروفسور وطبيب الأطفال (Howard Bennett): " معظم حالات الأطفال الذين يبللون أسرتهم هي بالأصل موروثة من الوالدين أو من أحد الأقارب من الدرجة الأولى". وبينما كشف العلماء عن أنهم توصلوا لتحديد جينات معينة مسؤولة عن المشكلة قبل سنوات، إلا أن دراسات حديثة عادت لتبرئ ساحة الجينات والكروموسومات التي كانت موضع شك، ليبقى هذه الموضوع موضوع جدل حتى اليوم. ولكن ما نستطيع قوله وبشكل أكيد هو أنه حتى اليوم فإن ما توصل إليه العلم أن الوراثة غالباً ما تكون المسبب الرئيسي للمشكلة، وتأتي الأسباب النفسية والبيئية المحيطة بالطفل كذلك لتلعب دوراً فيها ولكن في المرتبة الثانية. أما بالنسبة لتحديد الجينات أو الجين المسؤول عن المشكلة وكيف يؤثر وجوده واجتماعه بعوامل بيئية ونفسية أخرى محيطة فهذا لا زال قيد البحث والدراسة!
وهناك العديد من الأرقام والدراسات التي تفيد بأن احتمال تبليل الطفل لسريره إذا كان أحد والديه قد عانى من التبول الليلي اللاإرادي في طفولته ترتفع لتصل نسبة تتراوح ما بين 25 - 44% ، أما إذا كان كلا الوالدين قد سبق وواجها هذه المشكلة في طفولتهما، فإن احتمال إصابة الطفل بالمشكلة ترتفع لتصل نسبة تتراوح بين 65 -77%. وغالباً ما يجد الاباء الذين سبق لهم أن مروا بهذه المشكلة في طفولتهم أن طفلاً واحداً على الأقل من أطفالهم سوف يصاب بها. بل يرجح بعض العلماء أن تخلص الطفل تماماً من هذه المشكلة كذلك غالباً ما سوف يتزامن مع ذات الفترة العمرية التي تخلص فيها أبويه منها، وأي طفل لاحق سيعاني من هذه المشكلة غالباً سيتزامن شفاؤه وتخلصه منها مع ذات الفترة العمرية التي تخلص فيها أخيه أو إخوته السابقين منها.
ولكن وفي الجانب الإيجابي (وربما الوحيد) من الموضوع، تشير القليل من الدراسات إلى أن الوالدين الذين يورثون أبناءهم الجينات المسؤولة عن ظاهرة التبول اللاإرادي يمررون لهم كذلك جينات الذكاء.
عوامل أخرى
مع أن الجينات هي جزء كبير من السبب، وربما كانت أهم العوامل التي تتحكم في ظاهرة التبول اللا إرادي عند الأطفال، إلا أننا لا نستطيع أن نتجاهل بقية الأسباب المحتملة. ونذكر منها:
عدم نضج المثانة بشكل كامل: "ونعني بهذا أن الدماغ يأخذ فترة أطول ليتعلم كيف يتواصل مع المثانة أثناء نوم الطفل، هذا هو الأمر ببساطة" يضيف الدكتور بينيت.
النوم بعمق: على مدى سنوات طويلة سمع الأطباء من الأهل عبارات يلقي فيها الوالدان اللوم في هذه الظاهرة على نوم الطفل بعميق دون أن يستطيع الشعور بما يحدث أثناء نومه، إلا أن الدراسات الحديثة جاءت بالفعل لتؤكد هذه الأقوال التي لطالما شكك استخف بها الأطباء، فبالفعل قد يكون هذا هو ما حصل، إذ ينام بعض الأطفال بعمق لدرجة أن الإشارة التحذيرية من المثانة عندما تمتلئ لا تصل إلى الدماغ أثناء نوم الطفل.
الإمساك، فالأمعاء الملأى قد تضغط على مثانة الطفل أثناء النوم لتسبب لها انقباضات غير قابلة للسيطرة والتحكم، وما يحصل هنا أن الوالدين -وبعد تدريب الطفل على استخدام المرحاض- يكفون عن مراقبة عدد مرات ذهاب الطفل للمرحاض (تعرف على الطريقة الصحيحة لاستخدام المرحاض)، ما قد يجعله يتجنب المرحاض عندما يحتاج إليه أحياناً، الأمر الذي قد يصيبه بالإمساك دون أن يشعر والديه بما يحدث.
الهرمون المضاد لإدرار البول (Low anti-diuretic hormone - ADH): هذا الهرمون هو الهرمون المسؤول عن إعلام الكليتين بضرورة إنتاج بول بكمية أقل. وتشير بعض الدراسات إلى أن بعض الأطفال الذين يبللون أسرتهم ليلاً يقل إفراز هذا الهرمون لديهم. وبطبيعة الحال، فإن إنتاج المزيد من البول يعني المزيد من التبول الليلي اللا إرادي.
متى عليكما التوجه لاستشارة الطبيب؟
إذا كان الطفل يبلل سريره باستمرار ولم يمر بفترة 6 أشهر متتالية كان فيها قادراً على السيطرة على نفسه فهنا يعتبر الوضع طبيعياً، ولا مشكلة في ما يحدث. أما إذا كان الطفل قد تأقلم وكف عن تبليل سريره لفترة 6 أشهر أو أكثر ثم عاد لتبليل سريره ليلاً فجأة فهذا يستدعي القلق.
كيف يتصرف الوالدان الذين ورث عنهما الطفل المشكلة؟
للوالدين اللذين مرا بهذه المشكلة في الطفولة ميزة إضافية عن الوالدين اللذين لم يمرا بها، فهما يكونا أكثر قدرة على تفهم مشاعر الطفل والتصرف معه بحذر لرفع ثقته بنفسه ومساعدته على الشفاء انطلاقاً من تجاربهم الخاصة. كما أن مجرد معرفة الطفل بأن أبويه اللذين ينظر إليهما على أنهما قدوته في الحياة كانا يوماً أطفالاً وكانا يوماً يعانون من هذه المشكلة مثله تماماً (تعرف على سلس البول عند الكبار)، (ومع ذلك تجاوزاها ليصبحا والديه الرائعين اللذين يحبهما ويحترمهما اليوم) هو عامل هام جداً في عملية علاج الطفل خاصة على الصعيد النفسي والعاطفي.
كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!