آخر الأخبارالأسرة والطفل › جندي الأكلة المجهول

صورة الخبر: جندي الأكلة المجهول
جندي الأكلة المجهول

علينا أن نقف وقفة إجلال وتقدير واحترام لذلك الكائن الذي لم يقدره أحد كما يجب، لم يعطه أحد اهتمامًا بالقدر الذي يستحقه. ذلك السائل الرائق العذب ذهبي اللون المسمى بـ"الشوربة"، فقد تحملنا كثيرًا، تحمّل أن يُطلق عليه أكل عيانين، تحمل السخرية والهروب منه عند المرض.

كيف تتجاهل شوربة الخضار التي كانت رفيقًا لك بينما تكالبت كل أصناف الطعام ضدك واعتبرت معدتك عدوًا تفتك به؟ كيف تتجاهل لسان العصفور حين كان فيه شفاء لك مع عصرة الليمون ليعودا البرد والإنفلونزا أدارجهما؟ أليست شوربة العدس هي رفيقة ليالي الشتاء القارسة حيث تستطيع بمعلقتين منها أن تتحول إلى مدفئة في ذاتك؟ أليست شوربة الكوارع هي التي أوصى بها التراث حتى "ترم العضم"؟ أين نحن من الشوربة في وقفتها معنا ووجودها الدائم في جميع المصاعب والمحن؟ ومع ذلك لا نعطيها حقها أبدًا وتوضع مُهملة في منيو المطاعم ونمر بها سريعَا باحثين عن ما يملأ المعدة.

انغمسنا دون وعي منَا في التغنّي بجمال الملوخية وروعة الفتة وانسيابية وقوام الكريم سوبز. تحدثنا بعشق وهيام عن المحشي بأنواعه، والرقاق بأشكاله، واللحوم والطيور بمشتقاتها، وتجاهلنا دون قصد الجندي المجهول الذي يقف وراء ذلك كله، وهو الشوربة، التي إذا صلحت صلح الطعام كله وإذا فسدت فسد كله.

كم من عزومات كانت على وشك الضياع بسبب الشوربة! وكم من عزومات تفاخر بها البشر وصنعت تاريخ بسببها أيضًا! كم من خيبات أمل سجلتها المطاعم بسبب نفاد شوربة الحمام أو السي فود! وكم من خلافات عائلية سببها أن الشوربة بلسان عصفور بدلاً من الشعرية! وكم من أطباق رُز عادت بخُفي حنين بسبب نقص ملح الشوربة!

طب بذمتك ألم تلاحظ كيف يختلف محشي ورق العنب المُسقي بالمرقة المُصنعة عن نظيره بشوربة الفراخ؟ كيف تزداد الفتة دسامة ووسامة بشوربة الكوارع عن شوربة اللحوم الخفيفة مثلاً؟ كيف يتحول الطبيخ أبو طماطم إلى شيء لطيف ما إن أُضيف إليه ذلك الكائن الرقيق؟ كيف يتحول كل نوع من الطعام عديم الرائحة والطعم إلى ذي نكهات متعددة ما إن قام بممارسة رياضة الغوص في الشوربة؟

ألا ترى أن الشوربة بأنواعها هي الأكلة الإنترناشونال الوحيدة التي لا تفنى من كل المطاعم المحلية والعالمية المتخصصة في الأكل الشرقي والصيني والهندي وغيره؟ عندك مثلاً شوربة البصل الفرنسية، شوربة العدس المصرية أو السورية، شوربة الحريرة المغربية والطماطم الإيطالية، وشوربة يام يام الكورية والشوربة الأكثر شُهرة الآن وهي الكريمة بالفراخ والمشروم أو المشروم فقط أو الفراخ فقط لكارهي المشروم. حتى المطاعم المُتخصصة في الشوكولاتة، صارت تقدم شوربة الشوكولاتة في المنيو الخاص بها.

حتى أصحاب الدايت ومُريدو الأكل الصحي، تستطيع الشوربة أن تكون لهم رفيقًا، فبعد بحث عميق ودقيق وتوصيات الدكاترة ذوي العلم الوثيق، توصل العالم إلى طريقة لإزالة الدسم من الشوربة لتناسب الريجيم واللايف ستايل تبعك سيدتي. يمكنك بمنتهى البساطة بعد الانتهاء من سلق أي شىء، أن تقومي بوضع الشوربة في الفريزر لنصف ساعة أو في الثلاجة لو عندك وقت وفاضية بقى لمدة ليلة كاملة، ثم انزعي الدسم منها بمُنتهى الهدوء والانسيابية، فستتنازل لك الشوربة عن دسمها وشحمها وحتى لحمها في سبيل الوصول لحلمك في الرشاقة أو الحياة الصحية.
حتى مَن اتخذوا من النبات وسيلة للنجاة على سطح الكوكب قاموا باستخدام شوربة الفول النابت لتعطي لطعامهم النكهة والقوام المطلوب. فهي لا تكل ولا تمل من التضحية والوقوف بجانبك في كل اختياراتك، لا تلوم عليك في قرار اتخذته بمحض إرادتك أبدًا.

إن تحدثنا عنها للصباح لن نوفّيها حقها وقدرها كاملاً، ولكن نأمل أن تغفر لنا تقصيرنا تجاهها في الماضي، ولنبدأ معها أيامًا جديدة نقوم فيه بوضعها بكل فخر في صفحة الأطباق الرئيسية في المنيوهات المتعددة.

المصدر: نوون

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على جندي الأكلة المجهول

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
42795

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

خلال 30 أيام
خلال 7 أيام
اليوم