آخر الأخباراخبار الفن والثقافة › "ابراهيم الأبيض".. رحلة تبدأ من النهاية

صورة الخبر: صراع من أجل امرأة
صراع من أجل امرأة

شركة جود نيوز من الشركات الانتاجية الحديثة نسبيا في مصر، تعاملت مع السينما بطريقة مختلفة، فهي تضع رأس مال انتاجيا كبيرا لمصلحة أي فيلم تنتجه، كما أنها تهتم بالدعاية وتحاول أن تصرف على الدعاية بنفس مستوى مصروفات الانتاج الفنية.

من أهم اعمال هذه الشركة فيلم حليم وفيلم عمارة يعقوبيان وفيلم ليلة البيبي دول وفيلم حسن ومرقص. كما انها قدمت فيلما لمحمد هنيدي أضعف انتاجيا وهو "رمضان مبروك أبو العلمين". وربما كان آخر أفلام هذه الشركة "ابراهيم الابيض". وفي الجعبة أفلام أخرى كثيرة بصرف النظر عن أحوال السينما التي تشهد فترات من النجاح والفشل لظروف خارجية احيانا ليس لها علاقة بمستوى الأفلام.

عروض خارجية

لقد اشتهرت شركة جود نيوز بأنها تعرض افلامها في عروض خاصة بمهرجان كان السينمائي الدولي وبصفة سنوية، ولعل في ذلك فرصة لتوزيع الفيلم خارجيا، وربما ايضا كسب دعاية من نوع آخر ولاسيما وأن العشرات من الفنانين والموظفين يرتحلون الى مهرجان كان لحضور العرض الأول للفيلم، والمسألة تحتاج بالطبع الى تفسير وايضاح، لأن لا جدوى من هذه العروض ولا فائدة ترتجى منها، فالافلام المعروضة في الغالب لا تهم الموزع الخارجى، فهى اما أن تكون ضعيفة المستوى أو أنها ذات موضوعات منقوصة، وبالتالى فإن الدعاية الخارجية والداخلية للافلام لا يمكن أن تفيد شيئا، إذا كانت هذه الافلام لم تصل الى المستوى الفني المطلوب، وهو أمر تكرر في أغلب الافلام التي انتجتها هذه الشركة.

ظروف الانتاج
نعم هناك ايجابيات كثيرة رافقت ظروف الانتاج، ومن ذلك الاهتمام بتنفيذ المشاهد وجلب الخبراء في التفجيرات والخدع من الخارج، كما حدث في فيلم ليلة البيبي دول.

لكن ذلك لم يكن كافيا، وهذا ما ينطبق على الاستخدام الجيد للملابس والاكسسوارات التي صرف عليها ببذخ أكثر من أفلام الشركة. لكن مرة أخرى ارتفعت أجور الممثلين والمخرجين وغيرهم، وكان ذلك أمرا سلبيا عانت منه باقى الأفلام، حتى ان بعضها وصل الى مرحلة الخسارة بسبب ارتفاع الأجور، وهذا ما انعكس على الانتاج السينمائي بصفة عامة، حيث زادت هذه الأجور من أهمية النجم الأوحد الذي يستهلك وحده أكثر من نصف الميزانية تقريبا.

في هذا الفيلم "ابراهيم الابيض" انتاج 2009، تضع شركة جود نيوز أهمية خاصة لأمكنة تصوير الفيلم، والواقع أن الأمكنة هى ديكورات كبيرة وضعت بدقة لتتناسب مع الأحداث وكانت باشراف المهندس "أنسي سيف الدين" والذي بذل جهدا كبيرا لتقديم الوقائع الى للجمهور من خلال ديكور متميز، كاد يصبح قرية بكاملها وبكل تفاصيلها.
مستوى الانجاز

هذه الميزة في الاهتمام بالديكورات ينبغي التأكيد عليها، لأن مستوى الانجاز كان في السابق لا يتعدى وجود حارة شعبية وبعض المساكن والمحلات التجارية وحركة خفيفة لسكان الحارة وهذا ما تكرر في أكثر من فيلم مصري منذ فيلم الغريبة وحتى الآن. أما وجود مساحة سكنية شبه كاملة فهذا أمر نادر الحدوث في السينما المصرية، وما جاء به فيلم ابراهيم الابيض يعد مكسبا للسينما المصرية، بعد أن تجاوزت المصاريف الميزانية التقليدية الى ميزانيات انتاجية كبيرة غير مسبوقة.

هناك اهتمام نسبى بالملابس في فيلم ابراهيم الابيض وتنوعها وتعددها، وبالطبع كل الملابس تعود لشخصيات تعيش على الهامش وفي مناطق أقرب الى العشوائيات، ولهذا السبب لا نرى قوة البوليس كثيرا في الفيلم، لأن هناك أحكاما غير قانونية تسود في غابة العشوائيات تسمح باخضاع الضعيف لصالح القوي، وهذا هو المناخ الذي عاش فيه ابراهيم الابيض، أو هذا ما حاول أن يقدمه.

يبدأ الفيلم بمشهد قتل والد ابراهيم أمام عيني زوجته وابنه ويتحول هذا المشهد الى رغبة مكتومة في الانتقام، ولا نعرف فعليا من هو القاتل، ولكن هناك أسباب أساسها الصراع حول المال بين العصابات المتصارعة.

هاجس الانتقام

إذن هاجس الانتقام هو الذي يحرك الأحداث بالنسبة إلى ابراهيم الابيض الذي يتحول الى سارق وقاطع طريق وقاتل ايضا يستخدم السلاح الابيض دون تردد، وربما جاء الأسم من هذا الاستخدام للسلاح الأبيض، وخصوصا ان الشخصية هي في الاصل حقيقية، بصرف النظر عن التفاصيل والجزئيات.

يحاول ابراهيم الابيض "احمد السقا" مع صديقه "عشر" عمرو واكد أن يقتفيا أثر أحد الوشاة بعد أن فر كل منهما من مواجهة البوليس، وفي مشهد طويل بشكل مبالغ فيه، يتسلق ابراهيم السطوح العليا والدنيا من أجل الفرار، حيث يصل في النهاية الى مكان النجاة.

بعد ذلك يصور الفيلم مذبحة كبيرة بالسكاكين والسيوف يخوضها ابراهيم مع صديقه عشر لغرض استرداد كيس النقود المسروقة، ويحدث بعد ذلك اللقاء المنتظر بين ابراهيم والمعلم زرزور الذي يقوم بدوره محمود عبد العزيز.

ويبدو أن المعلم "زرزور" يمثل العراب بالمنطقة والذي سيطر على كل شىء، وابراهيم هو أحد الوجوه البارزة التي ربما تحقق نصرا يدفعها الى السيطرة وربما نيل موقع المعلم، لكن ذلك لم يحدث، فمن ناحية السيناريو لا نعلم بالضبط ما قام به ابراهيم الأبيض ولا الانجازات التي حققها حتى على صعيد الشر، كما أن البطولة التي التصقت بابراهيم غير واضحة، فهو بطل يصعد الى أعلى ولكن دون تفاصيل واضحة وهذا ما اضعف الفيلم، ورغم انه قد قتل قاتل أبيه، إلا أن ذلك لا يعني شيئا دراميا.

حافز منقوص

إن كل ما قام به ابراهيم الابيض من شر سببه الانتقام لأبيه، ولكن ذلك الحافز لا يكفي وبالتالي ظلت هذه الشخصية مسطحة الى أبعد الحدود.

هناك في المقابل شخصية أخرى وهي حورية "قامت بدورها هند صبري" وهي فتاة لعوب في الظاهر، لها علاقة بابراهيم الابيض، إنها تحبه وفي نفس الوقت تعمل على الانتقام منه بسبب قتله لأبيها، والغريب أن الفيلم يقدم عملية القتل عندما كان ابراهيم في السجن، وتبدو حورية وكأنها تنتظر كل السنوات الطويلة من أجل التخلص من قاتل أبيها. في نفس الوقت يقدم الفيلم ام حورية بطريقة مجانية "سوسن بدر". أما أم ابراهيم "حنان ترك" فهي تظهر بين الحين والآخر وفي مشاهد رجوع للخلف ولكن دون دور حقيقي واضح.

من جانب آخر لم يوفق الفيلم في اختيار "هند صبري"، فهي تملك وجها طفوليا وجسدا نحيلا، لا ينسجم مع صورة الفتاة الشعبية التي تسحر الجميع، فالحديث عن جسدها من قبل معلم "زرزور" لا يتماشى مع الصورة الحاضرة لها. كما أن شخصيتها غير مرسومة بدقة، لأنها ترفض الجميع تقريبا.

بطل ثانوي

يدخل ابراهيم السجن ليخرج منه، بعد أن أبلغ عنه المعلم زرزور، وهو الذي جعله أحد رجاله المقربين واستعمل في أكثر من عملية بيع للمخدرات ناجحة أما صديقه ابراهيم والمسمى "عشر" فهو الشخصية الأكثر وضوحا، وهو بطل الفيلم الحقيقي، إنه يحمل معه بذور الشر لكي يعيش فقط، وهو مستعد للتخلي عن أي شيء عند الضرورة، انه صديق مخلص لابراهيم وهو تابع له في كل حركاته وسكناته.

والواقع أن روح المغامرة ضعيفة جدا في السينما العربية، ولاسيما فيما يتعلق بالدراما وتكوين الاحداث، وهنا نشير على سبيل المثال الى فيلم امريكى عرض منذ سنوات قليلة وكان بعنوان "اغتيال جيمس بواسطة الجبان روبرت فورد" تحول فيه الرجل الثاني الذي قام بالوشاية وتحصل على الجائزة المعلن عنها، الى بطل للفيلم تقريبا، وهذا ما كاد ان يقع في فيلم ابراهيم الابيض، حيث نجد أن شخصية "عشر" هو الأكثر درامية، وخصوصا أنه قد صار في آخر الفيلم مجرد شخصية تسعى هي الأخرى وراء الفتاة حورية بصرف النظر عن علاقتها بابراهيم أو زواجها من المعلم زرزور وهو الزواج الذي انبنى على هدفه، كما هي العادة.

المرأة والصراع

لقد بدا المعلم زرزور عجوزا لا يمكنه أن ينظر بعين الشهوة الى حورية، ولا ندري سببا وراء فكرة عدم تسليم حورية نفسها الى أي رجل بما في ذلك زوجها نفسه، وبالتالي فإن الخلطة التي أعدها الفيلم لم تكن على درجة عالية من الاتقان، فالصراع حول المرأة ظل هو المدخل، رغم أن المتصارعين أصحاب مصالح متداخلة.. ومن الصعب قبولهم بمبدأ التحدي بلا مبرر واضح.

كما قلنا لم تقنعنا هند صبري بأنها تلك الفتاة العفوية اللعوب، وكان اختيارها سلبيا رغم قدراتها الفنية الجيدة، ولقد القى هذا الاختيار ظلا ضعيفا على حيوية الواقع والتنويع في الأحداث.

مرة أخرى يصور المخرج "مروان حامد" فيلمه بلا شخصية واضحة، ومع عدم وجود أسلوب أو طريقة محددة في الاخراج، فهو يهتم بالمشاهد الطويلة ويهتم أكثر بمشاهد الحركة. إنه أقرب الى المخرج الذي يتجامل مع صنعة الاخراج، احيانا بمهارة واضحة ولكن من الناحية الجزئية، فالفيلم في سياقه العام ليس له جاذبية كبيرة، بل هو ممل في أكثر الاحيان بسبب عدم وجود الحدث الكبير والواضح بتفاصيله الكبيرة والصغيرة.

بسبب الفتاة حورية، يخرج ابراهيم الابيض من سجنه لينتقم من المعلم زرزور الذي تزوجها بموافقتها ولكن تحت شروط يصعب الاقتناع والقبول بها.

في نفس الوقت يعتمد الفيلم على صدفة واضحة في السير بالفيلم نحو عقدته المطلوبة.

ان اللقاء المتوقع بين حورية وابراهيم من أجل الزواج والفرار من دائرة المعلم لم يتم لأن ابراهيم القي القبض عليه بوشاية لكي يتم التخلص منه.
ومن أجل هذه الصدفة وحدها وبسببها توافق حورية على الزواج من المعلم.
كما قلنا في النهاية يتجه ابراهيم نحو الانتقام ولكنه يقتل، لأنه لا يستطيع باعتباره بطلا فرديا أن يتحول الى بطل حقيقي وخصوصا ان دافعه هو الانتقام الفردي وليس رفع الظلم عن الجميع.

بين الدراما والملحمة

بالموسيقى التصويرية الساحرة والمتداخلة مع بعض الاغاني كاد الفيلم يتحول الى ملحمة، ولكن الموسيقى وحدها لا تكفي. كما أن الراوي "عشر" ليس كافيا لأنه غير محايد، وهو جزء من المشكلة وغريم ابراهيم رغم انه صديق له في نفس الوقت.

لم يتحول الفيلم الى ملحمة، دراميا على الأقل، بينما بصريا اكتفي بالتركيز على الدم والعنف، والسبب يعود الى أن البطل ليس شعبيا. إنه كما قلنا يتحرك بدافع الانتقام لأبيه ثم الانتقام لحورية الفتاة التي أحبها بسرعة ودون مقدمات واضحة، رغم أن مشاهد الرجوع للخلف لا تؤيد فكرة الحب هذه .

هناك دوافع أخرى تحرك الشخصيات وهي المال وترويج المخدرات وحب السيطرة واخضاع الآخرين، وهي دوافع يمارسها الافراد جميعا، بينما يظل البطل الفردى في داخل هذه الدائرة ولا يخرج عنها.

يمكن اعتبار هذا الفيلم من الأفلام المتميزة في مسيرة السينما العربية، على المستوى المشهدي البصري والجوانب التقنية. أما دراميا فهو يشكو من عجز واضح، لم تفلح جهود الممثلين في منحه الايقاع المؤثر عدا القلة ومنهم وعلى رأس هؤلاء الممثل عمر واكد بلهجته المتميزة، بينما كان تأثير الممثل محمود عبد العزيز واضحا رغم اقترابه من الكوميديا في بعض الاحيان بلا مبرر، وأظن أن المخرج مروان حامد على مفترق الطرق، فهو إما أن يقود الأفلام التي يختارها وإما أن تقوده هذه الافلام.

المصدر: العرب أونلاين- رمضان سليم

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على "ابراهيم الأبيض".. رحلة تبدأ من النهاية

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
49197

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري