آخر الأخباراخبار مصر › أسرار «صناعة الموت» في سيناء

صورة الخبر: العبوات الناسفة
العبوات الناسفة

اخلع نعليك على بابها.. فترابها من رفات شهداء الوطن.. إنها الأرض المقدسة، أرض سيناء.. ما بين الحزن والألم، وفجيعة الفقد، وفرض حالة الطوارئ، وصولاً للإجراءات الاستثنائية وإخلاء الشريط الحدودى.. تعيش «أرض الفيروز» على أعتاب التوتر والترقب الوجوه يشوبها حذر من نوع خاص، حذر ينتظر الموت ولا يأتى، وقد يأتى فجأة فى ذات اللحظة التى لم تتوقعه فيها أبداً. جنود يركبون مدرعاتهم فى مواجهة «شجاعة» مع الموت الذى ربما يأتى فىطريق «مفخخ» أو هجمة إرهابية.. الأهالى يعيشون الانتظار بكل تفاصيله.. ماذا ستفعلين بنا يا أرض سيناء أكثر مما عانيناه معك وقد كانت نفوسنا «حُبلى» بأحلامنا المشروعة منذ عشرات السنين.. لكنها لم تأتِ أبداً إلا على هيئة كوابيس وحشية لم تنتهِ حتى اليوم؟ «الوطن» فى الأرض المقدسة.. ترصد، تكشف، تقدم التعازى لأرواح شهدائنا فى مداد الحبر، تتعلق بحلم الأمن والأمان ككل المصريين، المُنتظر من بين براثن «كتلة نار مشتعلة بيد الإرهاب الأسود» استطاع أن يُلبس المصريين أكفاناً منتقلة من سيناء إلى طول مصر وعرضها.. ويقيم الحزن فى قلوب بنصف حياة، كزائر شبه دائم منذ ثورة 30 يونيو.. هناك فى تلك البقعة الدامية، فى سلسلة حوارات متصلة، يحارب «القلم» الرصاصة ويحاول أن يقاوم «الكفر» بالحبر.

ينطق الشهادتين قبل أن يخرج من بيته، لا يسلم على أبنائه وأحفاده حتى لا تكون هى لحظة الفراق الحقيقية.. لا يخاف الموت بعد أن بات ظلاً ملازماً لكل خطواته. ستظل بينهما عمليات «كر وفر» إلى أن يحين الأجل كما يقول.. وكيف لا بعد أن باتت مهمته الأساسية هى إنقاذ أرواح الأبرياء منه؟ حتى بات بالإمكان تلقيبه بـ«أحد صناع الحياة فى سيناء»، واستحق تكريم الفريق صدقى صبحى، وزير الدفاع، على شجاعته؛ حيث يواجه وزملاؤه الموت مئات المرات على مدار سنوات عملهم، لكن يظل إيمانهم بالله والوطن الفيصل الوحيد فى كل مهمة إنقاذ جديدة. لم يكن محمد عبدالتواب، المتخصص فى تفكيك العبوات الناسفة والمتفجرات شديدة الخطورة بوحدة المفرقعات بإدارة الحماية المدنية، خائفاً من ظهور وجهه أمام عدسات الكاميرات، قائلاً لـ«الوطن»، فى حوار هو الأول من نوعه: «الإرهابيون يعرفون شكلى جيداً وتلقينا عشرات المكالمات التهديدية أنا وزملائى منهم؛ لأننا نُبطل عملهم الجهادى فى سبيل الله كما يدعون».

«عبدالتواب» يكشف لـ«الوطن» فى هذا الحوار كيف تطور العمل الإجرامى لإرهابيى سيناء فى تصنيع العبوات الناسفة وكيف تتم عمليات الاستهداف وأهم المواد المتفجرة التى يتم استخدامها ومصادرها وأسرار المواد التفجيرية التى تم استخدامها فى حادث «كرم القواديس» وتفاصيل التفجير الحقيقية، وغيرها من تفاصيل يتم الكشف عنها لأول مرة حول صناعة الموت فى سيناء.

كما تنفرد «الوطن» بمجموعة من الصور الحصرية لمُفجر عُثر عليه وعليه «كود أجنبى» وُجد فى منطقة «رفح» من ضمن مئات آخرين.

■ هل تطورت قواتنا فى كشف المتفجرات والعبوات الناسفة أم لا تزال تواجه خللاً؟

- ما عنديش أجهزة، ولا يوجد عندى أى جهاز متطور يستطيع كشف المتفجرات والعبوات الناسفة حتى الآن، وما زلنا نعتمد على العنصر البشرى فى اكتشافها وتفكيكها!

■ إذن كيف تعرف بوجود المتفجرات والعبوات الناسفة قبل انفجارها؟
- إما عن طريق إبلاغ الأهالى بوجود أجسام مشتبه بها، وإما أن تأتى لنا تعليمات أمنية بتفتيش أماكن أو مناطق أو طرق معينة لتأمينها.

■ لماذا نجد أن الإرهابيين يعتمدون على استخدام العبوات الناسفة والمتفجرات أكثر من اعتمادهم على الرصاص والقذائف؟

- العبوات الناسفة تعنى إبادة، والإرهابيون يريدونها حرب إبادة فى سيناء؛ فالرصاصة عندما تطلَق ستصيب من تطلَق عليه، وقد ينجو من أصيب منها، لكن العبوات الناسفة خسائرها كبيرة فى الأرواح «بالجملة زى ما بيقولوا» ونسبة النجاة منها فى الغالب تكون صفراً.

■ ما أخطر أنواع المتفجرات التى يستخدمها الإرهابيون فى سيناء؟

- لدىَّ قائمة فيها 67 نوع متفجرات، لكن أكثرها شيوعاً وانتشاراً فى تصنيع العبوات الناسفة هى مواد «C4» و«TNT»، و«INFO»، وهناك مواد أخرى متطورة لا يمكن الكشف عنها.

■ التنوع فى استخدام هذه المواد المتفجرة، متى بدأ فى الظهور؟

- بعد ثورة 30 يونيو؛ ففى السابق كنا نجد أن المواد المستخدمة هى عبارة عن الديناميت والـ«تى إن تى» لكن بكميات قليلة، لكننا الآن فى سيناء نجد أنواعاً جديدة ومتطورة مثل الإنفو والسى فور وفلمنات الزئبق ونترات الجلسرين ونترات البنزين ونترات البوتاسيوم وغيرها.

■ ما أخطر هذه الأنواع؟

- كلها تمثل خطورة شديدة؛ فالهدف فى النهاية واحد وهو أكبر عدد من الضحايا، بعد أن يضاف للعبوة الناسفة رولمان بلى وقطع من الحديد والمسامير لتكون الخسائر أكبر، والإنفو هو أقلها تأثيراً إذا ما استُخدم بمفرده، فيما يعد «تى إن تى» أكثرها خطورة لأنه يعطى 8٫76 جزء من المليون فى الثانية فى سرعة الانفجار بالموجة الانفجارية.

■ ما مكونات العبوات الناسفة، خاصة التى تُصنع فى شكل برميل؟

- يتم وضع المادة التفجيرية الرئيسية ولتكُن «TNT» فى أرضية البرميل، حسب حجم العمل الإجرامى الذى يريدون القيام به، ويتراوح وزن البرميل بين 20 و250 كيلوجراماً، أى ربع طن، حسب المكان المستهدف. وداخل هذه المادة يوضع المفجر أو تيل انفجارى عبارة عن خرطوم بلاستيك ملفوف عليه نوع معين من الخيوط وهذا الخرطوم يُملأ بالبارود الأسود وتيل الأمان الذى يتكون من 3 أنواع من متفجرات أخرى «شديدة الانفجار»، ويتم من خلال تفجيرها لكى تولد درجة حرارة لا تقل عن 80 درجة مئوية حتى تنفجر بعد ذلك مادة الـ«TNT» الموضوعة فى البرميل، فهو لا ينفجر بدرجة حرارة أقل من هذه.

■ هل يعنى هذا أن هناك أنواعاً مختلفة للمُفجرات نفسها لتوليد درجة الحرارة العالية؟

- نعم، هناك مُفجر «طرقى» ومُفجر كهربائى، والأخير الأكثر شيوعاً ويكفى أن تصله طاقة كهربائية من بطاريات الأقلام «2 فولت - 9 فولت»؛ حيث يقومون بتوصيل الدائرة الكهربائية بالتيل الانفجارى لتوليد درجة الحرارة اللازمة.

الكلاب البوليسية لم تكشف حقيبة مملوءة بالمتفجرات لأنها «بلاستيك».. وهذه مصيبة يجب الانتباه لها و معنديش أى جهاز متطور يستطيع الكشف عن العبوات الناسفة حتى الآن.. وما زلنا نعتمد على العنصر البشرى

■ ماذا عن استخدام أجهزة اللاسلكى والمحمول فى العمليات التفجيرية؟

- هذا نوع جديد من العمليات الإرهابية، وهنا يقوم الإرهابيون بتوصيل الدائرة الكهربية بدائرة إلكترونية ذات مواصفات معينة يمكن من خلالها التقاط إشارة من جهاز اللاسلكى أو التليفون المحمول؛ حيث يعرفون التردد الخاص بالجهاز لإرسال الإشارة، أما فى المحمول فيجرون الاتصال كأى مكالمة بضغط زر «Call»، فتنفجر العبوة، وهذا أحد التكتيكات المتطورة فى تصنيع المتفجرات والعبوات الناسفة، أى أن العبوة الناسفة هنا تحتوى على المادة الانفجارية والمُفجر الذى يعمل بالإشارة عن بُعد وهذه العبوات التى تُستخدم حالياً لتفجير المدرعات والكمائن على الطرق أو المبانى الحكومية كمديريات الأمن مثلاً وغيرها، وبلغ بهم الأجرام أنهم أحيانا يضعون مُفجرين فى العبوة الواحدة لكى تكون أشد وطأة فى إحداث الخسائر.

■ ما المدى الأقصى لعمل اللاسلكى والهاتف المحمول فى تفجير العبوات الناسفة؟

- أن يكون على بعد حوالى 20 متراً، وهذا يعنى أن المنفذين لا بد أن يكونوا فى محيط عملية التفجير.

■ هل رصدتم تطوراً نوعياً آخر لهذه العبوات فى هجمات سيناء بخلاف استخدام أجهزة المحمول واللاسلكى؟

- نعم، هم يقومون حالياً بوضع دائرة مصنوعة من الصلب على شكل طبق فى العبوات الناسفة، تكون موجهة فى اتجاه الموجة الانفجارية التى تعرف إحداثياتها وهى مملوءة أيضاً بمادة «TNT» وقوة اندفاع هذه الدائرة توازى 70 كيلومتراً فى الثانية، لتدمير المدرعات؛ حيث يولد الانفجار درجة حرارة تعادل 3000 درجة مئوية تخترق أى جسم أمامه، وهذا ما حدث فى كل حالات استهداف المدرعات التى ينتج عنها اشتعال المدرعة بمن فيها بالكامل.

■ هل قطع اتصالات شبكات المحمول يمنع العملية التفجيرية؟

- أعتبر قطع الاتصالات مجرد إجراء «احترازى» وربما «اجتهادى»؛ لأن هؤلاء الإرهابيين لديهم وسائل اتصالات لا تعمل على شبكات المحمول المصرية من ناحية، وبعضهم يعمل بالفعل على شبكة «أورانج» الإسرائيلية، ومن ناحية أخرى بدأوا العودة لاستخدام «المولدات» أو «الدينامو» اليدوى، الذى كان يتم استخدامه زمان من مسافة 200 إلى 300 متر، ويكون الإرهابى مختبئاً فى حفرة تحت الأرض أو فى مكان منخفض لا يظهر منه على الطريق ويكون هناك شخص آخر معه يراقب له الطريق، فيعطيه إشارة البدء، فيستخدم هذا المولد فى تفجير العبوة الناسفة التى تم زرعها على الطريق.

■ هل شاهدت مثل هذا النوع من التكنيك؟

- نعم، كان أحدها فى منطقة الشيخ زويد التى راح ضحيتها الضابط محمد حلمى مع 6 من زملائى؛ فقد كانت شبكة الاتصالات مقطوعة ومع ذلك تم التفجير.

■ تحدثت تقارير رسمية مؤخراً عن استيراد مجموعة حديثة من الأجهزة التى يمكنها أن تحد من عمليات التفجير، ما تعليقك؟

- «ولا ليها أى لزمة»؛ فلقد كان لدينا أحد هذه الأجهزة وتقوم بالتشويش لمسافة 25 متراً، فى حين أن الإرهابيين طوَّروا أساليبهم فى تصنيع العبوات الناسفة لإمكانية التفجير من بعد 50 متراً، فى حين أن الجهاز الواحد ثمنه مليون و200 ألف جنيه، وبالمناسبة هذا الجهاز انفجر مع تفجير المدرعة التى كان بها زملائى.

■ ما المادة التى تخافون أن يتم استخدامها فى العبوات الناسفة؟

- كل الخوف من استخدام مادة «.....» -تتحفظ «الوطن» على كشفها لدواعٍ أمنية- وهى مادة شديدة الخطورة واكتشفنا احتواء إحدى العبوات الناسفة عليها لكن بكميات قليلة مؤخراً فى تطور نوعى للعمليات الإرهابية وهى غير متوافرة فى مصر أيضاً مثل مادة «TNT»، ويتم تهريبها عبر الأنفاق من غزة، خاصة أنه على من يقوم باستخدامها أن يكون فنياً محترفاً حصل على تدريبات عسكرية متخصصة لاستخدامها.

■ هل تعتقد أن التطور النوعى فى تصنيع هذه العبوات الناسفة والمتفجرات يشير بطريقة ما إلى أنها لا تنبع من أفراد بل معسكرات بالمنطقة؟

- نعم، وأرجح بشكل كبير أن هؤلاء الإرهابيين تلقوا تدريبات عسكرية متخصصة وليس فقط مجرد مرتزقة يتم استخدامهم من ضمن جماعات تكفيرية للقيام بعملياتهم؛ فالذى نشاهده يعنى تحديداً أن هناك أشخاصاً «فنيين» كانوا يعملون فى تصنيع هذه المتفجرات بشكل عالى الكفاءة؛ فصناعة الإرهاب التى تظهر من خلال تركيبات العبوات الناسفة ليست وليدة تفكير أشخاص عاديين أو هواة، فكل مرة يفاجئوننا بطريقة جديدة فى التصنيع والاستهداف.

■ من أين تأتى المواد الأولية اللازمة لتصنيع هذه المتفجرات والعبوات الناسفة مثل «الإنفو والسى فور والتى إن تى»؟

- «الإنفو» يأتى من الزراعات، وتحديداً من السماد، الذى يستخدم فيه مادة «نترات البوتاسيوم» التى يقوم الإرهابيون بإضافة مواد أخرى عليها بنسب معينة منها «الكبريت والفحم»؛ فهى عبارة عن «تركيبات كيميائية»، أما «السى فور» فهى مادة بلاستيكية، وخطورتها أنها لا تظهر فى أجهزة الكشف عن المتفجرات أو بوابات التأمين، وبعض الكلاب البوليسية المدربة لا تستطيع كشفها، وهنا يكون العنصر البشرى الحاسم فى اكتشاف هذه المواد حال تهريبها، بمعنى أدق: «لازم أدور بإيدى وأكون عارف كل مادة شكلها عامل ازاى وملمسها ولونها وريحتها أيضاً»، أما مادة التى إن تى فيتم تهريبها من غزة عبر الأنفاق؛ لأنها غير موجودة فى مصر، بل الأدهى والأمر أننا وجدنا مُفجرات للعبوات الناسفة عليها أكواد أجنبية أيضاً بخلاف التى يتم تصنيعها يدوياً فى سيناء.

■ هل استُخدمت مادتا «السى فور والإنفو» فى حادث «كرم القواديس»؟

- لا، استخدموا «تى إن تى» بكميات هائلة، أما «السى فور» فتُستخدم فى تلغيم الخطابات أو الطرود المرسلة لأشخاص بهدف اغتيالهم؛ حيث يقومون بتوصيل تلك المادة بدائرة كهربائية (بطارية ساعة) ما إن يفتحها الضحية حتى تنفجر فيه، وهذا للأسف حدث منذ فترة مع أحد الضباط.

■ ما وسائل تهريب هذه المواد؟

- بكل أسف يتم تهريبها بسهولة عبر الأنفاق مع غزة، لأنها تكون على شكل مواد أولية، فيتم نقلها إلى داخل سيناء فى أرضيات السيارات النصف نقل، ويقومون بإخفائها بوضع براميل «مخلل» أو براميل صابون سائل فوقها، أو يضعون فوقها مجموعة من الحطب أو الأخشاب حتى لا يظهر ما فى أرضية السيارة.

■ هذا يعنى أن الكمائن لن تستطيع اكتشاف المتفجرات حتى لو استعانت بأجهزة كشف؟

- نعم، لأن أجهزة الكشف «تصفر» عند وجود مواد صاج أو حديد، أى تكون العبوة الناسفة تم تصنيعها بالفعل ووضعها فى عبوات التفجير، لكن المواد المُتفجرة لا تتعرف عليها أبداً، خاصة أن هذه المواد تشبه «الجير» والمواد المستخدمة فى الدهانات.

■ ما أخطر المهام التى قمت بها خلال فترة عملك وتحديداً بعد ثورة 30 يونيو؟

- تفكيك عبوة ناسفة احتوت على 250 كيلو TNT وفيها 2 مُفجر وضعت أمام مستشفى العريش العام منذ حوالى 6 أشهر، وكانت خسائرها المحتملة بشعة فوق الوصف لو أنها انفجرت «لكن الله لطف»، فالإرهاب فى سيناء لا يستهدف فقط الشرطة والجيش، بل كل ما هو حكومى لدرجة أن وصلت بهم الخسة والجبن إلى محاولة أن يفجروا مستشفى عامة بمن فيه من أطقم طبية ومرضى.

■ كيف اكتشفت وجود هذه العبوة الناسفة؟

- جاءنا بلاغ فى الساعة 6 صباحاً بالاشتباه بوجود جسم غريب بجانب باب المستشفى، وحاول أحد العاملين بالمستشفى تبين ما به، فوجد توصيلة كهرباء «المُفجر» فعاد مسرعاً وقام بالإبلاغ، وعندما ذهبنا قمنا بإخلاء المستشفى والمنطقة المحيطة به، ولحسن الحظ وفضل الله على عبيده، اكتشفنا أنها كانت معدة للانفجار فور عودة شبكة الاتصالات. المثير للانتباه أن كلب المفرقعات بعد أن قام بالاقتراب من العبوة أعطانى إشارة سلبية بأنها ليس بها شىء، وهذا أمر غريب يدعونا إلى الانتباه إلى أن الكلاب لا تكون قادرة طوال الوقت على اكتشاف المواد الناسفة، فقمت بالانبطاح على بطنى وزحفت ناحية العبوة الناسفة وقمت بفصل الدائرة الكهربية عن العبوة وأبطلنا مفعولها، وكان بها كميات هائلة من مادة TNT والسى فور C4 والإنفو INFO.

■ هل اكتشفت شيئاً غريباً بعد تفكيك العبوة فيما يتعلق بصناعة المتفجرات والعبوات الناسفة؟

- نعم، وجدت أن مادة TNT عبارة عن بودرة، وليست صلبة، والمعتاد أن تكون هذه المادة مصبوبة «صلبة»، وأثناء عملية تفريغ البودرة، يدى «خبطت» فى جسم صلب داخل البودرة، فإذا بى أكتشف أنها مُفجر متطور آخر كان معداً للانفجار فى حال تفكيك العبوة الأولى بعد فترة زمنية محددة، لكن هذه المرة كان المستهدف منها رجال الحماية المدنية ومن معهم وتحديداً بعد انتقال القوة إلى مديرية أمن شمال سيناء لكى تنفجر هناك بمن فيها من ضباط وعساكر، فالإرهابى الذى زرعها توقع أننا فى حال عثورنا على العبوة الناسفة، سنقوم بتفكيك الدائرة الإلكترونية الأولى وننتقل بباقى العبوة إلى مديرية الأمن، وهذا يعنى أنه يراقب تحركاتنا أيضاً بدليل أنها كانت معدة لتنفجر بعد وصولنا إلى المكان المحدد الذى كان يريد تفجيره فى انتظار اتصال تليفونى منه كنت أسميه «مكالمة الموت».

■ ما تقوله يعنى أن الإرهاب لم يعد يستهدف قوات الشرطة والجيش فقط، بل المدنيين أيضاً؟

- نعم، فقد قمنا مؤخراً بتفكيك عبوة ناسفة أمام مسجد النصر فى شارع 23، واستطعنا من حوالى سنة تفكيك عبوة ناسفة عند جامعة سيناء كانت موصلة بـ«تايمر» لمدة 8 دقائق، فسرعة الإبلاغ هنا تظل عنصراً مهماً فى إنقاذ أرواح الناس، ولقد قمت بفك عبوة ناسفة هيكلية ليلة عيد الأضحى الماضى، عبارة عن 6 أصابع ديناميت متصلة بدائرة إلكترونية بتليفون محمول، أمام أحد المحال العامة، فضلاً عن أن حادث كرم القواديس تم كذلك فى ليلة السنة الهجرية.

■ كم مرة تم استهداف مديرية أمن شمال سيناء؟

- أكثر من مرة لكنها لم تنجح، وكان آخرها حينما تم إطلاق صاروخ على مديرية الأمن فى رمضان الماضى ساعة الإفطار، وبفضل الله علينا أنه دخل فى «جهاز التكييف» ولم ينفجر.

■ برأيك ما سبب عدم انفجار الصاروخ؟

- حينما دخل الصاروخ فى الجسم الخارجى للتكييف حدث له ميل معين و«الطبة» التى تُفجر الصاروخ انحرفت عن مسارها فلم ينفجر، وتفتت إلى مجموعة أجزاء وأحدث اشتعالاً بسيطاً فى الغرفة التى كان بها «المكيف» لكن تمت السيطرة عليه بسرعة.

■ ما أغرب أسرار التطور النوعى للإرهاب فى تصنيع العبوات الناسفة؟

- استخدام «مشبك الغسيل»، حيث يقومون بلف سلك على أحد أطرافه، وسلك آخر على الطرف الثانى، وتوصيل السلكين بالدائرة الكهربية، مع وضع قطعة خشب صغيرة رفيعة فى المنطقة الوسطى «فتحة المشبك» ويربط هذه الخشبة الصغيرة بخيط «شعر» غير مرئى ممدود على مسافة طويلة إلى حيث يكون الإرهابى متمركزاً ومختبئاً، بحيث إنى «لو داخل أفتش مكان أخبط فى السلك برجلى وأنا مش واخد بالى فتتشد القطعة الخشبية وتغلق الدائرة التفجيرية وتنفجر العبوة الناسفة فى المكان».

■ هل عاصرت تجربة مثل هذه؟

- نعم، حدث فى أحد الكمائن التى تبعد عن ديوان المحافظة بنحو 7 كيلومترات، وقبل مطار العريش بنحو 8 كيلومترات، فهذه الطريقة يتم استخدامها على الطرق أيضاً، لكن بفضل الله لم تنفجر العبوة، لأن السلك لم يُقطع، حيث وضعوا العبوة الناسفة بميل على أحد جانبى الطريق على مكان غير ثابت، وحينما مرت المدرعة وقعت العبوة الناسفة على الأرض، واستطعنا تفكيك عبوة أخرى تم إعدادها وتصنيعها بنفس الطريقة فى الشيخ زويد، كانت متصلة بخيط «لا مرئى» طوله حوالى 20 متراً على أحد جانبى الطريق، وكانت معدة لتفجير أى مدرعة جيش أو شرطة ستمر فى المكان.

■ كيف يتم تفخيخ الطرق الرئيسية بهذه السهولة؟

- من أخطاء الجهاز التنفيذى والمحافظة أنه بعد حدوث انفجار لا يتم فوراً ردم الفتحة أو الحفرة التى يسببها الانفجار فى الأسفلت وإعادة تسوية الأسفلت، هذه مصيبة لأن الإرهابيين يعودون إلى نفس المكان ويزرعون عبوات ناسفة جديدة فى هذه الحفر، ثم يقوم الإرهابى بنفسه بردم هذه الحفر على ما فيها من متفجرات لتعبر من فوقها مرة أخرى أى مدرعة جديدة، بل وربما يختبئ فيها أيضاً أثناء فترة الإعداد لتجهيز العبوة الناسفة لحين الانتهاء من مهمته.

■ وهل حدث هذا بالفعل؟

- نعم، تم تفجير مدرعة فى منطقة «السدود» منذ فترة وأحدث التفجير فجوة كبيرة فى الأسفلت لم يتم ردمها، فقام المنفذون بوضع عبوة جديدة مرة أخرى، والمصيبة هنا أنهم وضعوا داخل الحفرة ماسورة صرف صحى بقطر 6 بوصات، ووضعوا داخلها برميلاً به 250 كيلو من مادة TNT والإنفو INFO فى منتصف الطريق بالضبط، واستطاعوا تفجير مدرعة أخرى مرت من نفس الطريق، وكان التفجير فى وسط المدرعة بالضبط لدرجة أن المدرعة «اتفرتكت مليون حتة بالجثث اللى فيها» وراح ضحيتها 6 عساكر وضابط وأمين شرطة لدرجة أن أشلاءهم طارت فى الهواء وتناثرت على بعد كيلو من موقع التفجير.

■ كيف استطاع الإرهابيون زرع العبوة والتحرك بالماسورة والمواد المتفجرة بكل بساطة هكذا؟

- هذا الطريق لا تمر عليه قوات أمنية كثيرة، والمنفذون يعرفون تماماً مواعيد مرور المدرعات من هذا الطريق، وفى ذات الوقت يمكن أن يكونوا نفذوا العملية وهم يرتدون ملابس عمال من هيئة الطرق كأنهم يقومون بردم الحفرة.

■ هل فكرت فى طريقة لتأمين الطرق بحكم عملك؟

- نعم، كاميرات التصوير أعتقد أنها إذا ما وضعت على مداخل ومخارج الطرق يمكن أن تنقذ أرواحاً كثيرة من الموت، كما يجب الاستعانة بمهندسى طرق لتصميم الطرق على أن تكون ذات منحدرات بحد أدنى من 5 إلى 10 سنتيمترات، لأنه يلزم لانفجار العبوات الناسفة أن تكون فى وضع موازٍ للطريق.

■ أثار استخدام أحد زملائك «خشبة» لتفكيك قنبلة السخرية على مواقع التواصل الاجتماعى، فهل هذا إجراء سليم؟

- هو كان يحاول شد سلك المُفجر وقطع الدائرة الكهربية أو الإلكترونية، وهذا خطأ لأن فيها مخاطرة كبيرة على حياته وعلى من حوله من الناس.

■ هل السترة الواقية التى ترتديها توفر لك الحماية الكاملة فى حال انفجار عبوة ناسفة وقت تفكيكها؟

- مبتسماً: لا، فهذه السترة كل وظيفتها حماية «الجثة» من التهتك أو التطاير إلى أشلاء، إذا ما وقع الانفجار، حتى يجدوا فى النهاية «جثة» يدفنونها وحتى عمل هذه السترة الواقية يتوقف عند حدود 3 مترات من العبوة الناسفة، لكن إذا اقتربت أكثر من ذلك على سبيل المثال لمسافة متر، فلن تجدوا السترة أو الجثة، وفى أغلب الأوقات أثناء عملنا تكون العبوة الناسفة معنا وجهاً لوجه.

■ إلى أى مدى ممكن أن يقود خطأ بشرى فى عملك إلى كارثة أخرى؟

- أذكر فى واقعة تفجير مبنى الحماية المدنية فى منطقة «الزهور»، وبعد انهيار جزء كبير من المبنى بسبب عبوة ناسفة بها 250 كيلو متفجرات، اكتشفنا أن المبنى إلى جانب مدرسة ومحطة كهرباء وجمعية خيرية، وفكرنا على الفور فى أن من يفجر مبنى بموقع استراتيجى كهذا يمكنه أن يستهدف تلك المنشآت أيضاً وليس المبنى فقط، فقمنا بتمشيط المنطقة بدقة شديدة، وبالفعل وجدنا 3 براميل أخرى مخبأة فى أماكن صعب الوصول إليها، بكل منها 250 كيلو متفجرات، ما يعنى أن الإرهابيين زرعوا فى المنطقة طناً كاملاً من المتفجرات، وكانوا ينوون تفجيرها بشكل لاحق بعد تفجير المبنى أولاً، واطمئناننا إلى أنها عملية واحدة، وهنا عنصر اليقظة كان مهماً جداً، لأنه كان ممكن نكتفى بما حدث فى المبنى فقط.

■ ما أسرار تفجير كمين «كرم القواديس» الذى نتج عنه استشهاد هذا العدد الكبير من الضباط والجنود؟

- الكمين تم تفجيره بخطة محكمة استغرق إعدادها أسابيع، حيث اعتمدت على مجموعة من السيارات فيها إرهابيون وقذائف آر بى جى، وتفخيخ للطريق المؤدى للكمين، الكمين كان فيه 4 مدرعات على المدخل، والكمين هنا للتوضيح لا يوجد فيه فقط هذه المدرعات والضباط والمجندون، بل هناك مبنى أيضاً لاستراحة الضباط والعساكر، فدخلت السيارة المفخخة الأولى وبها الانتحارى على الكمين، وانفجرت على جانب المبنى وهدمته أولاً، وفى هذه الدقائق المعدودة بدأت القوات التى داخل الكمين نفسه فى التجمع عند المبنى، فضلاً عن قدوم قوات أخرى «4 مدرعات» للدعم من القوات القريبة من كمين «كرم القواديس»، فقام الإرهابيون فى السيارة الثانية «التايلاندى» المختبئة على جانب الطريق بإطلاق قذائف الـ«آر بى جى» على المدرعات والقوات المتجمعة فى نفس التوقيت، أما القوات التى جاءت على الطريق للدعم، فتم تفخيخها بألغام وعبوات ناسفة فى بداية الطريق، فانفجرت إحداها، بينما تم إطلاق قذائف الـ«آر بى جى» على المدرعات التى نجت من الطريق المفخخ، وفى هذه اللحظات ظهرت مجموعة أخرى من «السيارات التايلاندى» وحاصرت المكان على شكل دائرة، وبدأ الإرهابيون فى إطلاق النار من داخلها على أى كائن حى بالكمين، والسلاح الذى كان مستخدماً ضد جنودنا لم يكن آلياً بل «نصف بوصة» المثبت على السيارة من فوق، وبه شريط ذخيرة، وعرفت أن كل من حاولوا الهرب أطلق عليهم الرصاص فى الرأس بعد ملاحقتهم من الإرهابيين.

■ يقال إن هناك مجندين استطاعوا الهرب؟

- أعرف أن أحد المجندين ذهب إلى أحد البيوت القريبة من الكمين، فطارده الإرهابيون و«كسروا دماغه» وليس إطلاق الرصاص عليه فقط، بعد أن هددوا سكان البيت بالقتل، وأصابوا أحدهم بالفعل حينما حاول الدفاع عن الجندى.

■ هذه المذبحة نجا منها مجند واحد، هل هذا صحيح؟

- نعم، التقطه أحد السيناوية فى منطقة قريبة من الكمين وأعطاه ملابس بدوية بعد أن جعله يخلع زيه العسكرى، وساعده على الاختباء إلى اليوم التالى ثم قام بتسليمه إلى أقرب كمين.

■ كم يبلغ حجم المتفجرات التى استخدمت فى هجوم «كرم القواديس»؟

- كمية كبيرة جداً لا تقل عن 3 أطنان من المواد المتفجرة، فالسيارة الفيرنا التى اقتحمت الكمين بالانتحارى كان فيها وحدها 750 كيلو متفجرات.

المصدر: elwatannews

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على أسرار «صناعة الموت» في سيناء

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
69908

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

خلال 30 أيام
خلال 7 أيام
اليوم