آخر الأخباراخبار الفن والثقافة › امرأة صنعت المستحيل‮!‬ مفيدة عبد الرحمن آم لتسع آولاد ومحامية ناجحة

صورة الخبر: امرأة صنعت المستحيل‮!‬ مفيدة عبد الرحمن آم لتسع آولاد ومحامية ناجحة
امرأة صنعت المستحيل‮!‬ مفيدة عبد الرحمن آم لتسع آولاد ومحامية ناجحة

قصتها‮ .. ‬ملحمة رائعة‮ .. ‬معزوفة جميلة‮.. ‬تناثرت نغماتها فى تآلف نادر‮.. ‬بحساب السنين تجاوزت هذه السيدة السبعين من عمرها‮.. ‬أما بحساب الخبرة و العطاء‮.. ‬ومقياس النجاحات والمجالات الهامة التى ارتادتها‮.. ‬والعمل المتواصل بلا كلل أو ملل‮.. ‬فانها تعترف بأنها تشعر كما لو كانت قد عاشت مائة وخمسين سنة‮.. ‬فما مر عليها من تجارب كثيرة‮.. ‬وما أعطته‮ - ‬ولا تزال تعطيه‮ - ‬شيئا عظيما تفخر به أى امرأة‮.. ‬أو بالأدق أى انسان‮..‬ انها الاستاذة مفيدة عبدالرحمن‮.. ‬المحامية المصرية التى استطاعت أن تحتل مكان الريادة فى أكثر من موقع خلال حياتها العريضة‮.. ‬كانت أول فتاة تدخل كلية الحقوق عام ‮٥٣٩١.. ‬ثم كانت بعد تخرجها‮. ‬أول من تمارس المحاماة،‮ ‬وتفتح مكتبا خاصا بها‮.. ‬وأول سيدة تشغل منصب عضو بمجلس ادارة بنك الجمهورية فى ابريل ‮٢٦٩١. ‬وأول سيدة مصرية تستمر عضوا بمجلس الأمة ‮٧١ ‬عاما متصلة‮.. ‬وأول محامية فى العالم العربى تترافع أمام المحاكم العسكرية العليا‮.. ‬وأول محامية تقيد بالنقض‮.‬ ورغم الحياة العملية القاسية التى اختارتها لنفسها‮.. ‬فقد استطاعت أن تحل المعادلة الصعبة التى تعجز معظم السيدات عن حلها‮.. ‬فقد كانت زوجة سعيدة جدا‮.. ‬وقصة زواجها الذى دام حوالى ‮٨٤ ‬سنة ونصف السنة‮ - ‬إلى أن توفى زوجها المرحوم محمد عبداللطيف‮ - ‬كانت ملحمة حب رائعة‮.. ‬ومثلا راقيا للحياة الزوجية القائمة على الاحترام المتبادل والتضحية المتبادلة‮.. ‬والعطاء بلا حدود من الطرفين‮..‬ فهذه السيدة التى كانت فى‮ ‬يوم من الأيام عضوا بارزا بمجلس الأمة ومحامية مشهورة جدا‮.. ‬تعمل صباحاً‮ ‬ومساءً‮ ‬بلا توقف أو راحة‮.. ‬كانت أيضا أما لتسعة أولاد‮!! ‬وزوجة صالحة محبة جدا لزوجها الذى تدين له بكل الفضل فى تشجيعها ودفعها للدراسة ثم للعمل‮..‬ ‮> »‬كنت أنزل لمقابلة جمال عبدالناصر ومعه بومدين‮.. ‬أو خروشوف وأنور السادات،‮ ‬وقبل أن أغادر منزلى لمقابلة هؤلاء العظماء كنت أمسح حذاء‮ ‬زوجى بيدى‮.. ‬ورغم أن بيتى كان به خدم الا أننى كنت أحب أن أشعره بأننى زوجته قبل أن أكون محامية مشهورة أو عضو مجلس أمة بارزة‮«.‬ هكذا تروى مفيدة عبدالرحمن لمسة من اللمسات الرائعة فى حياتها السعيدة التى كان‮ ‬يحسدها الجميع عليها؟‮.. ‬ورغم كل نجاحها العملى فقد حققت أسطورة الجمع بين السعادة الكاملة فى الزواج والوصول إلى قمة النجاح فى العمل فى آن واحد‮..‬ قالت لها كوكب الشرق أم كلثوم ذات مرة‮:‬ أتمنى أن أرى ألبوم الخطابات الخاصة بينك وبين زوجك‮.. ‬فقد كانت لهذا الألبوم قصة‮.. ‬فعندما كانت تسافر مفيدة عبدالرحمن لتمثل مصر فى المؤتمرات العالمية سواء البرلمانية أو النسائية‮.. ‬كان زوجها‮ ‬يحزن جدا لفراقها،‮ ‬ولكنه‮ ‬يشجعها ويدفعها للسفر لكى تستمر فى نجاحها وتشرف اسم مصر فى الخارج‮.. ‬ورغم ألم بعادها عنه فقد كان فخورا بها‮.. ‬وكانا‮ ‬يتفقان على أن‮ ‬يرسل كل منهما خطابا للآخر كل‮ ‬يوم‮..‬ واحتفظ كل منهما بألبوم الخطابات الخاصة‮.. ‬حتى الآن‮.. ‬وحتى بعد وفاة الزوج تحتفظ مفيدة بالألبومين‮.. ‬وتقول‮: ‬لا أعرف كيف أحميهما‮.. ‬أخشى أن أموت ويصبحا فى متناول الأيدى وأنا أعتبرهما مقدسين،‮ ‬ولابد أن‮ ‬يكونا فى مكان لا‮ ‬يصل إليه أحد‮.. ‬ولكن كيف؟‮! ‬لا أعرف‮.‬ ماما مفيدة إلتقيت بالأستاذة مفيدة‮.. ‬أو ماما‮ »‬مفيدة‮« ‬كما تحب أن‮ ‬يناديها كل من‮ ‬يعملون معها أو‮ ‬يعرفونها‮..‬ قلت لها‮.. ‬أريد أن أستمع إلى قصتك الرائعة مع الحب والعطاء والنجاح‮..‬ وفتحت ماما‮ »‬مفيدة‮« ‬لى قلبها‮:‬ ‮»‬كأنها ‮٠٥١ ‬سنة‮«‬ ‮> ‬سألتها‮:‬ ‮- ‬كيف استطعت الجمع بين السعادة الزوجية طيلة هذه السنين والنجاح الكبير الذى حققته فى حياتك العملية كمحامية وكشخصية عامة معروفة‮.. ‬لها بصماتها؟‮..‬ ‮> ‬وبهدوء بدأت ماما مفيدة الاجابة‮.. ‬قائلة‮:‬ ‮- ‬أنا قضيت الآن من عمرى ‮٥٧ ‬سنة‮.. ‬كأنى قضيت ‮٠٥١ ‬سنة‮.. ‬لأنها كلها كفاح وجهاد وتعب‮.. ‬لكنها سعادة‮.. ‬يعنى أنا دلوقت‮.. ‬لو الطبيب قال لى أقعدى فى البيت‮.. ‬أستأذنه أنى آجى أقعد فى المكتب ولو أظل فى‮ ‬غرفة الاستراحة لأنى لا أستطيع البقاء فى البيت‮..‬ ‮> ‬وتستطرد ماما مفيدة قائلة‮:‬ ‮- ‬وأنا نشأت فى أسرة مترابطة،‮ ‬أسرة متوسطة‮.. ‬الكبير فيها‮ ‬يحب الصغير ويعطف عليه‮.. ‬والصغير‮ ‬يحترم الكبير‮.. ‬فيها التعاون والحب والتضحية والوفاء والتفانى فكنت أشوف ماما أو جدتى تقف بالمنشفة لوالدى أو جدى وهو‮ ‬يتوضأ‮.. ‬فكبرت وفى ذهنى صورة المرأة التى تذيب نفسها فى خدمة الرجل‮.. ‬والرجل الذى‮ ‬يعامل زوجته معاملة بأرق ما‮ ‬يمكن‮.. ‬فأنا فى أسرتى‮ - ‬نمرة أربعة‮ - ‬لى أخت أكبر منى وأخوان أصغر منى‮.. ‬عمرى ما شفت بابا أو ماما بيضربوا أحد أخواتى‮.. ‬كان هناك تفاهم‮.. ‬وبالنظرة نفهم المطلوب منا بلا ضرب أو توبيخ‮.‬ وأختى الكبيرة كانت طبيبة‮ - ‬رحمها الله‮ - ‬وأرسلتها الدولة على نفقتها لتدرس الطب فى انجلترا‮.. ‬وأنا درست فى المدرسة ودخلت القسم العلمى وكنت أحلم بأن أصبح طبيبة مثلها‮.. ‬وقال لى أبى عندما تحصلين على البكالوريا سوف أرسلك مع أختك إلى انجلترا لتدرسى هناك‮..‬ فى شهر العسل ‮> ‬وتكمل مفيدة عبدالرحمن حديثها قائلة‮:‬ ‮- ‬وفعلا امتحنت البكالوريا وكنت أنتظر النتيجة‮.. ‬لكن ما حدث أن العريس ظهر قبل النتيجة وفى خلال شهر واحد كنت فى بيت الزوجية‮.. ‬فكل شىء كان سهلا،‮ ‬البيوت خالية‮.. ‬وكانت‮ ‬يافطة‮ »‬شقة للإيجار‮« ‬موجودة فى كل مكان وتجهيز الأثاث الفرش سهل‮.. ‬فكنت فى بيتى بعد شهر واحد‮.. ‬وظهرت النتيجة وأنا فى شهر العسل‮.. ‬كان عندى‮ »‬ملحق‮« ‬فى الميكانيكا والهندسة‮..‬ فسألنى زوجى‮.. ‬تحبى تذاكرى وتدخلى امتحان الملحق‮..‬ ‮> ‬وتتوقف‮ ‬مفيدة عبدالرحمن لتترحم على زوجها قائلة‮:‬ ‮- ‬كان رجلا عظيما تفضل الله‮ - ‬سبحانه وتعالى‮ - ‬علىّ‮ ‬به‮.. ‬انسانا فاضلا‮ ‬يحب العلم جدا فقلت له‮.. ‬قوى‮.. ‬ورحت المدرسة بلا أصباغ‮ ‬وبمنتهى الجدية بعد ‮٥١ ‬يوما من زواجى وأثناء شهر العسل‮.. ‬أديت الامتحان ونجحت وقعدت فى البيت‮... ‬أنجبت أول أولادى‮.. ‬عادل‮.. ‬وكان معى‮ »‬دادا‮« ‬فى البيت‮.. ‬لم أكن أعرف كيف أطبخ‮.. ‬وبدأت أتعلم‮.‬ كان زوجى صاحب مطبعة ومكتبة ويدعو تجار الكتب من الشرق الأقصى واضطررت لأن أقيم مآدب طعام لأكثر من عشرين شخصا‮.. ‬فتعلمت وبقيت شاطرة قوى فى المطبخ‮..‬ وكنت ضعيفة جدا فاضطررت لأن احضر مرضعة لأبنى عادل لترضعه بدأت أشعر بفراغ‮ ‬كبير فى حياتى‮.. ‬وشعر زوجى بذلك،‮ ‬وبرغبتى فى أن أكمل تعليمى وأصبح طبيبة‮.. ‬فقال لى‮.. ‬تحبى تدخلى الجامعة؟ فقلت له‮.. ‬يا ريت‮.. ‬قال لى‮.. ‬طبعا دراسة الطب حتبقى مشقة عليك‮.. ‬وبدأ‮ ‬يفكر‮..‬ ثم اقترح على أن أدرس الحقوق فوافقت‮.. ‬ولما عرف عميد الكلية أن الطلب المقدم من زوجة وأم‮.. ‬صمم أن‮ ‬يلتقى بزوجى ويتأكد من موافقته على ذلك‮.. ‬وفعلا ذهب زوجى معى وحاول بكل الطرق اقناع العميد الذى كان مندهشا من تصميم زوجى على أن أدخل الجامعة وأنا زوجة وأم‮.. ‬والفتاة الوحيدة بين كل الشبان فى كلية الحقوق‮..‬ أم لخمسة ‮> ‬وتضحك ماما مفيدة وتقول‮:‬ ‮- ‬وفعلا دخلت الكلية وأنا أم لـ»عادل‮« ‬وتخرجت وأنا أم لخمسة أولاد،‮ ‬ولم أرسب سنة واحدة‮.. ‬وبعد التخرج بدأت فى ممارسة عملى كمحامية عام ‮٩٣٩١‬،‮ ‬ومعى خمسة أولاد،‮ ‬وعلى مدى بضع سنوات أخرى أنجبت أربعة آخرين فأصبحت أما لتسعة أولاد‮..‬ ‮> ‬وتستطرد قائلة‮:‬ ‮- ‬وبدأت أشق طريقى بصعوبة بالغة‮.. ‬لأنه فى سنة ‮٩٣٩١ ‬لا تجدين من‮ ‬يقتنع بأن المرأة ممكن أن تقنع القاضى مثل الرجل،‮ ‬ولكن بفضل الله العظيم وحبى واجتهادى فى عملى‮.. ‬ومعاونة زوجى لى التى لا أنكرها ولابد أن اعترف بالفضل لأصحابه‮.. ‬فأنا أعتبر أن الله‮ - ‬سبحانه وتعالى‮ - ‬هو صاحب الفضل الأول‮.. ‬ثم أبى،‮ ‬وزوجى معا‮..‬ لأن زوجى شجعنى وأنا صغيرة عندما تزوجته وعمرى سبعة عشر عاما‮.. ‬وبدأت أمارس عملى فى المحاماة بالتدريب فى مكاتب كبار المحامين وكنت أحب أن أتولى قضايا كبيرة لأثبت جدارتى‮.. ‬وفعلا كنت آخذ قضايا كبيرة وصعبة جدا على محامى تحت التمرين‮.. ‬مثل قضايا»القتل الخطأ‮« ‬التى لا أتصور أن أعطيها الآن لأحد المحامين الشبان الذين‮ ‬يتدربون فى مكتبى‮.. ‬لأنها تحتاج لخبرة كبيرة‮..‬ براءة ‮> ‬وتتذكر المحامية البارزة أولى القضايا التى ترافعت فيها،‮ ‬وكانت تهمة موكلها هى‮ »‬القتل الخطأ‮«.. ‬فتقول‮:‬ ‮- ‬ورغم صعوبة‮ ‬القضية إلا أننى دخلت‮ ‬المحكمة وواجهت القاضى بدراسة كاملة مستوفية للقضية ومنظرى‮ ‬يوحى بالجدية الشديدة بلا أصباغ‮ ‬أو تبهرج‮.. ‬سألت الشهود وناقشتهم‮.. ‬وبعد مرافعتى‮.. ‬اذا بالقاضى‮ ‬ينطق بالحكم فى نفس الجلسة‮.. ‬دون تأجيل‮.. ‬كما هى العادة فى مثل هذه القضايا وكان الحكم بالبراءة لموكلى‮..‬ ملأت الزغاريد قاعة المحكمة‮.. ‬وبدأ الناس‮ ‬يعرفوننى ويحضرون إلى المكتب الذى أتمرن فيه،‮ ‬ويطلبون من المحامى الكبير أن أتولى أنا قضاياهم‮.. ‬فدبت الغيرة فى نفسه‮.. ‬وتركت المكتب واستمررت فى عملى كمحامية مستقلة‮.. ‬وباجتهادى وصمودى فى الوقت الذى كانت المرأة فيه تلبس البرقع والملاية‮.. ‬اشتهر اسمى وبدأت الجرائد تكتب عنى‮.. ‬الزوجة والأم التى تترافع أمام المحكمة‮.. ‬وكنت اذهب إلى المحكمة حتى آخر‮ ‬يوم قبل الولادة‮..‬ ‮> ‬ألم‮ ‬يكن‮ ‬يقابل هذا بالسخرية من زملائك الرجال؟ ‮- ‬اطلاقا‮.. ‬كان هناك الاحترام الكامل سواء من زملائى فى الكلية أو زملائى فى المهنة وكذلك أساتذتى الذين كانوا‮ ‬يعاملوننى بأبوة‮.. ‬فكنت أترافع مع المرحوم وهيب دوس‮.. ‬وهو علم من أعلام المحاماة‮... ‬وعندما نلتقى فى المحكمة لابد أن‮ ‬يقدمنى أنا قبله‮.. ‬إذا كانت قضيتى التالية لقضيته‮.. ‬لأنه لو ترافع هو الأول‮ ‬يمسحنى خالص‮.. ‬ولأنه انسان عالم كبير واثق من نفسه فلا‮ ‬ينتقص من قدره أن تترافع قبله محامية شابة حديثة التخرج ولذلك أذكره الآن‮.. ‬وأذكر تاريخه‮.. ‬لأن ترفعه ومساندته للجيل الجديد‮ ‬شىء لابد من الاعتراف به‮.. ‬واحترامه‮.‬ فسعدت بأساتذتى وزملائى‮.. ‬ولذلك فأنا علمت ابنى اسماعيل‮ - ‬الذى‮ ‬يعمل معى وأصبح محامياً‮ ‬كبيراً‮ ‬الآن‮ - ‬أن السعادة فى أن تساعد الآخرين وتحب الزملاء ولا تتصارع معهم‮.. ‬لأن الرزق من عند الله وحده‮.. ‬فقط نتنافس من أجل أداء واجبنا على أكمل وجه‮..‬ تشجيع مستمر ‮> ‬دائماً‮ ‬تذكرين فضل زوجك فى نجاحك‮.. ‬ألم تواجهى‮ ‬غيرة الرجل الشرقى من نجاح زوجته؟ ‮- ‬فى الحقيقة لم أشعر مطلقا فى‮ ‬يوم من أيام حياتى الزوجية الطويلة والتى امتدت حوالى ‮٨٤ ‬سنة ونصف السنة الا بالتشجيع المستمر‮.. ‬حتى بعدما كبرت وشبت‮.. ‬كان سعيدا جدا‮.. ‬وأنا نازلة أقابل العظماء الذين‮ ‬يزورون مصر باعتبارى عضوا بمجلس الأمة‮.. ‬وكان فخورا بى‮.. ‬كان‮ ‬يجلس معى‮ ‬يقرأ القضايا حتى‮ ‬يشجعنى على الدراسة والبحث‮.. ‬كان عندما‮ ‬يمرض ابن من أبنائى‮.. ‬يقول لى‮ ‬يا مفيدة‮.. ‬قومى نامى علشان مذاكرتك أو قومى ذاكرى وسيبى الولد أنا أقعد معاه‮..‬ وتسكت لحظة وكأن شريطا‮ ‬يدور فى عقلها‮.. ‬وبصوت‮ ‬يلونه الحزن والامتنان معا تقول‮: ‬والسبب فى هذا التعاون‮ ‬الكبير منه‮.. ‬أننى أيضا كنت أبادله نفس العناية ونفس الشعور‮..‬ الاقتناع أولا ‮> ‬لو تكلمنا عن أشهر القضايا التى ترافعت فيها ومازلت تحتفظين بها فى ذاكرتك حتى الآن فماذا تقولين؟ ‮- ‬أحب أقول‮.. ‬إن المحاماة هى الاخلاص فى العمل‮.. ‬والنجاح فيها‮ ‬يحتاج للصدق وتحرى العدالة والسمو‮.. ‬فالحق والعدل من المولى عز وجل هما رسالة المحاماة فى الأرض‮..‬ ‮> ‬وتستطرد قائلة‮:‬ ‮- ‬فأنا لا أستطيع الترافع فى أى قضية دون الاقتناع الكامل بموقف موكلى،‮ ‬فأحيانا تقوم المحكمة بتكليف المحامى بالترافع عن موكل فقير،‮ ‬وليس لديه القدرة المادية لتوكيل محام‮.. ‬وهذا‮ ‬يعتبر تكليفا من المحكمة ولابد أن‮ ‬يؤديه المحامى وإلا دفع‮ ‬غرامة،‮ ‬وأصبحت سابقة سيئة فى تاريخه‮..‬ وفى احدى المرات كلفت بالترافع فى قضية سيدة قتلت زوجها بالتعاون مع عشيقها وقرأت أوراق القضية فوجدتنى ضد هذه السيدة التى سوف أترافع عنها‮.. ‬أعصابى ثارت‮.. ‬ولم استطع الترافع لأنى ضدها‮.. ‬ولازم أترافع وأنا مقتنعة علشان أقدر أنقل هذا الاقتناع للقاضى‮.. ‬وكنت فى حيرة‮.. ‬هل أتعرض للغرامة لامتناعى عن المرافعة وألوث اسمى‮.. ‬أم أقبل قضية أنا‮ ‬غير مقتنعة بها‮..‬؟ ‮> ‬وتكمل القصة قائلة‮:‬ ‮- ‬وقررت أن أذهب إلى المحكمة قبل موعد نظر القضية بأيام وقدمت اعتذارى للقاضى‮.. ‬وقلت له أنا مش قادرة أترافع عن هذه السيدة‮.. ‬وطلبت اعفائى من هذا الانتداب‮.. ‬وقدرت المحكمة ظروفى وأعفتنى من المرافعة ما دمت‮ ‬غير مقتنعة‮.. ‬واحترمت موقفى أيضاً‮..‬ مع الحق ‮> ‬هل معنى هذا انك لا تترافعين فى قضية إلا اذا كنت مقتنعة ببراءة موكلك؟‮..‬ ‮- ‬لا‮.. ‬بالطبع هناك قضايا كثيرة أترافع فيها وأنا على‮ ‬يقين من ارتكاب موكلى للجريمة‮.. ‬ولكن الظروف المحيطة به هى التى دفعته إلى ارتكابها‮.. ‬وهنا تكون اعذار المتهم‮ - ‬اذا اقتنعت بها‮ - ‬هى المبرر الأساسى لقبولى القضية‮.. ‬فلازم أعرف خلفياته وتاريخ حياته،‮ ‬وأسلوب معيشته‮.. ‬ولذلك أطلب من موكلى معلومات عامة جدا عن القضية فى أول لقاء‮.. ‬ثم أجلس معه بالساعات بعد ذلك لأعايش بعمق كل ظروفه ودوافعه لارتكاب الجريمة‮.. ‬وحتى تتجمع لدى الخيوط التى أبنى عليها دفاعى عنه‮..‬ ‮> ‬وتستطرد قائلة‮:‬ ‮- ‬من‮ ‬ناحية القضايا المدنية‮.. ‬لا‮ ‬يمكن أقبل قضية أترافع فيها ضد الحق‮.. ‬مثل أن‮ ‬يكون هناك واحد احتال على آخر‮.. ‬فلا‮ ‬يمكن أن أترافع لأكسب قضية لصالح النصاب ضد صاحب الحق‮..‬ إنما فى القضايا الجنائية‮.. ‬ففى بعض الأحيان أجد اعذارا‮.. ‬أقتنع بها فعلا‮.. ‬وأقدمها للمحكمة وألتمس الرحمة فيها وأتمسك بالقضية‮..‬ منظر‮ ‬غريب ‮> ‬كنت أول محامية عربية تترافع أمام محكمة عسكرية‮.. ‬فما قصة هذه المرافعة؟ ‮- ‬فى الواقع‮.. ‬إن هذه القصة كانت عندما جاءتنى زوجة فقيرة لجندى فى الحبس وله قضية‮.. ‬ودى كانت أول مرة أدخل فيها قسم القاهرة‮ »‬قسم عسكرى‮« ‬قرأت القضية هناك واطلعت عليها‮.. ‬وكان منظرى‮ ‬غريبا جدا لأن هذا وقع سنة ‮٠٤‬،‮ ‬ولكن بفضل الله وجدت التشجيع والترحيب‮ ‬الكامل‮.. ‬وذلك لأنه‮ - ‬كما قلت‮ - ‬لمس الناس فى شخصى الجدية‮..‬ وفعلا قرأت‮.. ‬ودرست القضية ونجحت فيها،‮ ‬لأن ظروفها كانت تدعو للنجاح‮.. ‬فوجدت مكتبى كله زوجات عساكر فقيرات‮ ‬يردن أن أترافع عن قضايا عسكرية لصالح أزواجهن‮.. ‬وكن‮ ‬يعرفن أننى لا أتقاضى أتعابا اذا وجدت أن حالة موكلى لا تسمح‮.. ‬وأعيد إليه الجنيهات القليلة التى أتى بها إلى وأمضيت سنتين فى الترافع فى هذه القضايا‮.. ‬عطلت خلالهما مكتبى‮ - ‬لأن مكتبى كان بعد الظهر‮ - ‬وموعد نظر هذه القضايا كان‮ ‬غالبا بعد الظهر أيضا‮.. ‬صحيح أننى كنت سعيدة لأنى أساعد المعدمين والمحتاجين‮.. ‬لأنى طول عمرى ما فكرت فى الأتعاب‮.. ‬ودى حاجة عايزة‮ ‬يسمعها كل المحامين‮.. ‬فبعد حوالى ‮٧٤ ‬سنة من العمل بالمحاماة لم أجن أى عقار‮.. ‬ولا حتى طوبة واحدة‮. ‬لكن أنا عندى تسعة أولاد باعتبرهم السعادة الكاملة فى حياتى‮.. ‬فهم أولاد فى‮ ‬غاية الأدب‮.. ‬ومنتهى الصدق مع أنفسهم ومع الناس‮.. ‬وأعتبرهم أكبر ثروة عندى،‮ ‬وأدعو الله أن‮ ‬يحفظهم لى‮..‬ ‮> ‬وتستطرد الأستاذة مفيدة قائلة‮:‬ ‮- ‬يعنى لو الإنسان وضع المادة هدفا لحياته‮ ‬يفشل فى كل شىء‮.. ‬ ‮> ‬وتعود إلى حكاية مرافعتها أمام القضاء العسكرى فتقول‮:‬ ‮- ‬استمرت مرافعتى أمام المحاكم العسكرية سنتين‮.. ‬وبعدين لقيت أنى لو استمريت فى هذه القضايا‮.. ‬فسوف أقفل مكتبى‮.. ‬لأنها أستوعبت وقتى كله،‮ ‬ولم أعد أذهب إلى مكتبى‮.. ‬فاعتذرت فى النهاية للموكلين وقلت لهم‮.. ‬منعونى من المرافعة أمام القضاء العسكرى‮..‬ أتعابى قليلة ‮> ‬ومن من أولادك أتخذ نفس الخط واختار المحاماة مهنة له مثلك؟ ‮- ‬اسماعيل،‮ ‬وعادل،‮ ‬وسامى‮.. ‬لكن اسماعيل هو الذى‮ ‬يعمل معى الآن فى المكتب،‮ ‬أما عادل،‮ ‬وسامى فقد تفرغا لادارة مطبعة أبيهما‮..‬ ‮> ‬وما أكبر أجر تقاضيته فى قضية؟‮..‬ ‮- ‬أكبر أجر لن تصدقى‮.. ‬اتعابى قليلة جدا‮.. ‬لأن لازم تبقى فيه رأفة واللى جاى لنا ده بلوته كبيرة‮.. ‬فلازم نرحمه‮.. ‬وربنا دايما‮ ‬يبارك فى القليل‮.. ‬والنصيحة دى دايما أقولها لأبنى اسماعيل‮.. ‬لأن رضا الناس وحبهم نعمة من نعم ربنا‮..‬ ‮> ‬لو انتقلنا إلى نوع آخر من القضايا‮.. ‬وأعنى قضايا المرأة‮.. ‬فما هى فى رأيك أهم قضايا المرأة المطروحة الآن؟ ‮- ‬أشعر بمنتهى الألم‮.. ‬وأنا استمع إلى المشاكل العائلية‮.. ‬ودائما عندما‮ ‬يأتينى رجل أو أمرأة بقضية تتعلق بالأحوال الشخصية لا ألجأ الى المحكمة‮.. ‬ولكن استدعى الطرف الآخر واستمع إلى وجهة نظره وغالبا انتهى وديا إلى حل المشكلة عن طريق الاقناع والتسوية دون اللجوء إلى المحاكم‮.. ‬فقضايا الأحوال الشخصية تؤلمنى جدا لأن المحكمة ليست دائما الطريق السليم لحل هذه المشاكل‮.‬ ‮> ‬هل حصلت المرأة الآن على بعض الحقوق التى كانت تطالب بها أم مازالت هناك بعض الحقوق المغبونة؟ ‮- ‬المرأة أخذت حقوقها بل وحقوق الرجل‮.. ‬فقد حصلت على‮ ‬حق الانتخاب وحق الترشيح،‮ ‬وحق التعليم،‮ ‬والعمل‮.. ‬وتتقاضى نفس الراتب عن نفس الوظيفة التى‮ ‬يشغلها زميلها الرجل‮..‬ ولكن المرأة الآن مظلومة بالنسبة للظروف العصيبة التى تتحرك فيها،‮ ‬فهى مطالبة بالعمل خارج البيت‮.. ‬ثم المرور على أطفالها فى المدرسة أو الحضانة لتأخذهم إلى المنزل‮.. ‬والعودة إلى البيت لتنظف،‮ ‬وتطبخ،‮ ‬وتجهز طلبات أولادها وزوجها‮..‬ ‮> ‬وهل هذا انصاف؟ ‮- ‬لا،‮ ‬طبعا‮.. ‬ولذلك أنا دايما بأقول‮: ‬إن على كل امرأة أن تعيش ظروفها،‮ ‬وتقرر على أساسها هل تعمل أو تبقى بالمنزل‮.. ‬فأنا مثلا بالنسبة لى استطعت أن أدرس وأنجب وأعمل محامية وألف محاكم الجمهورية كلها من أسوان إلى الاسكندرية‮.. ‬لأنه قد توافرت لى فى سنة ‮٩٣ ‬وما بعدها‮ »‬دادا‮« ‬لأولادى فى البيت‮.. ‬وأخت زوجى‮ - ‬الله‮ ‬يرحمها‮ - ‬كانت ترعى أولادى أكثر منى‮.. ‬فكنت مطمئنة عليهم‮.. ‬وكنت أسافر إلى مؤتمرات عالمية‮.. ‬فحضرت مؤتمرا برلمانيا دوليا فى اليابان سنة ‮٠٦٩١‬،‮ ‬وقضيت شهرين فى الصين‮.. ‬كنت أسافر وأنا مطمئنة على بيتى،‮ ‬وعلى زوجى وأولادى لأن هناك من‮ ‬يرعاهم‮.. ‬و»الدادا‮« ‬مازالت حتى الآن‮ »‬أم سليمان‮« ‬منذ ‮٢٥ ‬سنة وأولادى‮ ‬يحبونها جدا،‮ ‬وكأنها أمهم الثانية‮.‬ ‮> ‬وتستطرد قائلة‮:‬ ‮- ‬وهذا‮ ‬غير متوافر للمرأة العاملة الآن‮.. ‬فغالبا ليست هناك شغالات‮.. ‬وأم الزوجة أو الزوج تسكن بعيدا عن أولادها والحضانات ليست متوافرات بالشكل المناسب‮.. ‬كل هذا‮ ‬يجعل المرأة الآن فى وضع لا تحسد عليه‮.. ‬ونصيحتى لمن فى مثل هذه الظروف الصعبة أن تترك العمل،‮ ‬وتتفرغ‮ ‬للبيت حتى‮ ‬يكبر الأولاد قليلا ثم تعود إلى عملها‮..‬ فالمرأة الآن حصلت على حقوقها وزيادة‮.. ‬ولكن ظروفها الحالية لا تحسد عليها‮..‬ وما تفعله بعض الدول فى هذا الصدد مثل‮ ‬يوغوسلافيا أتمنى أن نعمل به فى مصر‮.. ‬فهم هناك‮ ‬يعطون المرأة اجازة بمرتب كامل لتربية أولادها حتى‮ ‬يتعدوا سن الحضانة،‮ ‬لأن مهمتها مهمة قومية لتربية جيل المستقبل‮..‬ ‮> ‬فى نهاية حوارى مع أشهر محامية فى مصر‮.. ‬ماما مفيدة‮.. ‬سألتها‮.. ‬أما زلت تترافعين أمام المحاكم بعد كل هذا العمر؟ ‮- ‬نعم‮.. ‬أنا لا أستطيع أن أعيش‮ ‬يوما بلا عمل‮.. ‬وفى كل‮ ‬يوم أتوجه لأكثر من محكمة فى أماكن مختلفة لأترافع عن قضايا المكتب ويساعدنى ابنى اسماعيل الذى أصبح الآن محاميا رائعاً‮.. ‬تستمتعين بسماع مرافعته،‮ ‬ورقى لغته،‮ ‬وأناقة عباراته‮.. ‬وأحب أن أقول‮: ‬أن رحلتى مع المهنة التى وهبتها عمرى‮.. ‬مهنة المحاماة‮.. ‬لن تنتهى حتى آخر‮ ‬يوم فى عمرى‮..‬ ‮-‬وأترك الاستاذة مفيدة‮.. ‬أو‮ »‬ماما مفيدة‮«.. ‬وأنا مبهورة بهذه السيدة التى تصر على أن تكون حياتها‮ ‬ينبوع عطاء دائم حتى بعد هذه الرحلة الشاقة‮.. ‬والسنوات الطويلة من الكفاح والتصميم والنجاح‮.‬

المصدر: eyoun.org

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على امرأة صنعت المستحيل‮!‬ مفيدة عبد الرحمن آم لتسع آولاد ومحامية ناجحة

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
79838

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري