آخر الأخباراخبار العالم اليوم › الدور المصري في القضية الفلسطينية... محطات ومواقف

صورة الخبر: الدور المصري في القضية الفلسطينية... محطات ومواقف
الدور المصري في القضية الفلسطينية... محطات ومواقف

الأحداث التي عايشتها الحدود بين جمهورية مصر العربية وقطاع غزة في الآونة الأخيرة، حملت معها دليلاً إضافيًا على حتمية تأثر وتأثير مصر بالوضع الفلسطيني، ولكن ذلك أيضًا فتح باب التساؤلات حول مدى تناسق وتكامل الدور الذي لعبته القاهرة تجاه القضية الفلسطينية في السنوات الأخيرة، وما هي العوامل التي حكمته؟ وهو سؤال تحتاج إجابته إلى إجراء مراجعات للماضي، فلا بد من إلقاء نظرة على جل الأحداث التاريخية المفصلية التي عايشتها الأراضي الفلسطينية، وبخاصة قطاع غزة. كذلك لا بد من التوقف طويلاً أمام العلاقات المصرية- الإسرائيلية، لترابطية الأمور مع بعضها. وبما أن الحديث عن الدور المصري منذ بزوغ القضية الفلسطينية، يحتاج إلى دراسات وأبحاث مطولة، فإن الاكتفاء باستعراض هذا الدور منذ انتفاضة الأقصى يعتبر نموذجًا علميًا، يمكن القياس عليه. ففي تاريخ 28/9/2000 على اثر اقتحام ارييل شارون الحرم القدسي، تدهورت الأوضاع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وأخذت منحنى تصعيديًا وسقط العشرات من القتلى الفلسطينيين. ونتيجة لهذا الأمر خرجت مسيرات عارمة في الشوارع العربية منددة في الجرائم الإسرائيلية.

وتدخلت مصر من جانبها، وطالبت كافة الأطراف الدولية بالتدخل لوقف الاعتداءات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وبذلت جهودًا جمة على كافة المستويات السياسية والمعنوية لدعم الشعب الفلسطيني، مع تصاعد وتيرة الأوضاع، استدعت القاهرة سفيرها من تل أبيب بتاريخ 21-11-2000، ووصفت إسرائيل من جانبها، القرار بأنه "خطوة خطيرة جدًا" ستحدّ من دور مصر في عملية السلام، ولكنها أكدت في الوقت ذاته، أنها لن ترد باستدعاء سفيرها من مصر. وانتقدت إسرائيل بشدة ما اعتبرته توجهًا من قبل وسائل الإعلام المصرية لتشويه صورتها، والإساءة إليها. ولكن على كل الأحوال، لم تؤدي مثل هذه التطورات إلى التراجع عن الاتفاقيات بين الجانبين، فلم تتنصل القاهرة البتة من معاهدة السلام "كامب ديفيد" التي أبرمتها مع إسرائيل عام 1979، وبخاصة أن المعاهدة تمثل أيضًا الأساس للعلاقات المصرية القوية مع الولايات المتحدة الأميركية.

ولم تكن تمر أشهر قليلة حتى تسلم ارييل شارون رئاسة الوزراء في إسرائيل بداية عام 2001 محققًا فوزًا على أيهود باراك، وبما أن القاهرة كانت تحاول الدفع نحو تهدئة الأمور والعودة إلى العملية السلمية، شكل صعود شارون للحكم صفعة لجهودها، فشارون بتوجهاته اليمينية لم يعط الجانب التفاوضي أهمية. و‏بدا‏ ‏واضحًا أن‏ ‏الدور‏ ‏المصري‏ ‏في‏ ‏تسوية‏ ‏الصراع‏ ‏الفلسطيني - ‏الإسرائيلي‏ سياسيًا ‏يواجه‏ ‏معضلة‏ ‏كبرى، ‏ليس‏ ‏فقط‏ ‏لحصول‏ ‏شارون‏ ‏علي‏ ‏تفويض‏ ‏جماهيري‏-‏ لمواقفه‏ ‏المعروفة‏ ‏المعادية‏ ‏للسلام‏- ‏وإنما‏ ‏أيضًا‏ ‏لأن‏ ‏علاقته‏ ‏السيئة‏ ‏تقليديًا‏ ‏مع‏ ‏القاهرة‏ ‏لا‏ ‏توفر‏ ‏مجالاً‏ ‏مناسبًا‏ ‏للقيام‏ ‏بدور‏ ‏إيجابي‏ ‏على‏ ‏مسار‏ ‏التسوية‏. وبالفعل‏، ‏سعى‏ ‏شارون‏ ‏إلى‏ ‏عدم‏ ‏إشراك‏ ‏مصر‏ ‏في‏ ‏أي‏ ‏دور‏ ‏سياسي‏، ونجح‏ ‏إلى ‏حد‏ ‏كبير‏ ‏في‏ ‏توظيف‏ ‏الحملة‏ ‏الأميركية‏ ‏على‏ "الإرهاب" ‏بعد‏ ‏أحداث‏ 11 أيلول/‏سبتمبر‏ 2001 ‏لتحقيق‏ ‏أهدافه‏ الإستراتيجية‏ ‏وأهمها‏: ‏تهميش‏ ‏الدور‏ ‏المصري‏ ‏وتجاوزه‏. ‏ويبدو‏ ‏أنه‏ ‏وجد‏ ‏تشجيعًا‏ ‏أميركيًا‏ ‏في‏ ‏هذا‏ ‏الشأن‏، ‏ولذلك‏ ‏رفض‏ ‏حضور‏ ‏قمة‏ ‏شرم‏ ‏الشيخ‏ التي رعتها مصر. ‏ولكن تراجع الدور المصري قابله صعود للدور السعودي من خلال المبادرة العربية للسلام التي قدمتها السعودية في قمة بيروت عام 2002، ولكن الدور السعودي لم يلغ الدور المصري بل كان مكملاً له، كما تقول الكاتبة نادية مصطفى في ورقة بحثية لها بعنوان "السياسة الأميركية والمنطقة العربية بعد 11 أيلول/سبتمبر".

وهكذا يمكن الاستخلاص أن الدور المصري السياسي اعتراه بعض الجمود خلال عامي 2001 و2002، ولكن هذا الدور لم يتوقف كليًا، فقد بقيت المحاولات المصرية لإعادة الهدوء للأراضي الفلسطينية متواصلة، بل إن تصريحات صحافية نشرتها جريدة الجمهورية القاهرية في عددها الصادر بتاريخ 27 تموز/يوليو 2002 أشار خلالها وزير الخارجية المصري آنذاك أحمد ماهر إلى أن "الرئيس مبارك يكرس 70% من وقته للقضية الفلسطينية".

وبينما كانت جهود القاهرة منصبة على وقف العنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وإعادتهما إلى طاولة المفاوضات، ذهبت الأمور نحو الأسوأ، عندما اجتاحت إسرائيل عام 2002 المدن الفلسطينية ودمرت البنية التحتيه لمؤسسات السلطة الفلسطينية، وكما كانت إسرائيل أقدمت على حصار عرفات في 3 ديسمبر/ كانون الأول 2001، وارتفعت الأصوات الإسرائيلية المطالبة بطرده أو تصفيته.

وفي 29 آذار/مارس 2002: غداة عملية عسكرية نفذتها المقاومة الفلسطينية، وختام القمة العربية في بيروت التي حُرم عرفات من حضورها، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي أوسع هجوم له في الضفة الغربية منذ حزيران/يونيو 1967 ودمر الجزء الأكبر من مقر عرفات الذي بقي في المبنى الذي يضم مكاتبه تطوقه الدبابات الإسرائيلية.

وتدخلت مصر من ناحيتها، مطالبة الأمم المتحدة بضرورة التدخل، ولكن عرفات بقي محاصرًا حتى ليلة الثاني من أيار/مايو 2002 حيث رفع الحصار عنه، ومن ثم بدأ التحرك المصري في الأراضي الفلسطينية يتم بشكل متسارع، بسبب تلويح إسرائيل بطرد عرفات بشكل متكرر، وتدخلت مصر لمنع حدوث ذلك، مشيرة أن ذلك سيؤدي لإشعال المنطقة، وبحسب صحيفة الجزيرة الصادرة بتاريخ 11/7/2002 فقد قال عمر سليمان مدير المخابرات المصرية إلى الإسرائيليين انه "لا يمكن أبعاد عرفات، على إسرائيل أن تعرض الأمل للفلسطينيين، ويجب الاستعانة بعرفات لدفع الإصلاحات، فرد وزير الدفاع الإسرائيلي عليه بأن عرفات هو حالة ضائعة، انه لن ينفذ إصلاحات حقيقية.
مصر وإعادة هيكلة السلطة الوطنية:

في بداية عام 2003 بدأت الأصوات الدولية المطالبة بإصلاح السلطة الفلسطينية وإعادة هيكلتها ترتفع، ومارست الإدارة الأميركية ضغوطاً شديدة على الرئيس ياسر عرفات للقيام بإصلاحات إدارية ومالية عن طريق الوفود المصرية التي كانت تزوره. وحسبما يشير التقرير الاستراتيجي العربي لمركز الأهرام في القاهرة فقد سعت مصر التي أيدت خطوة استحداث منصب رئيس الوزراء الفلسطيني لإقناع عرفات في هذه الخطوة لتجاوز الرفض الإسرائيلي الأميركي بمنع التعامل مع عرفات، ومن ثم تسهيل الإطلاق الرسمي لخطة خريطة الطريق.

ويشير التقرير الاستراتيجي العربي إلى أنه هنا برزت إشكالية جديدة في تشكيلة الحكومة الفلسطينية، ففي الوقت الذي كان يريد الرئيس عرفات تولية منصب وزير الداخلية لنصر يوسف سعى أبو مازن لتعيين محمد دحلان في هذا المنصب، ومن هنا تدخل الجانب المصري لفض الخلاف، وقدم اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية اقتراحًا تعهد خلاله لعرفات بضمان أمنه الشخصي وحرية تنقله. وقد أمكن التوصل إلى هذا الاتفاق قبل ساعات قليلة من انتهاء المهلة القانونية لتشكيل الحكومة الفلسطينية في الثالث والعشرين من إبريل/نيسان 2003.

وقد تم تعيين محمود عباس بتاريخ 29/4/2003 كأول رئيس وزراء فلسطيني، والذي حاول بدوره تهدئه الأجواء في محاولة للعودة لطاولة المفاوضات باعتباره احد مهندسي اتفاقية أوسلو، وحاولت مصر مساعدته في السيطرة على الأجهزة الأمنية الفلسطينية وتوحيدها، وبتاريخ 4/6/2003 تم للمرة الأولى عقد قمة العقبة بين رئيس وزراء إسرائيلي ونظيره الفلسطيني، بحضور الرئيس الأميركي جورج بوش ورعاية مصرية- أردنية، وقد أعرب رئيسًا الوزراء عن تبنيهما لخريطة الطريق. وقد اخذ الجانبان على عاتقهما التعاون في سبيل العودة لطاولة المفاوضات على أساس خارطة الطريق. واستطاعت مصر بعد فترة قصيرة، تحديداً بتاريخ 29/30 يونيو (حزيران)/ 2003 تنسيق جولة ثالثة من الحوار بين الفصائل الفلسطينية في القاهرة وأثمرت عن الخروج بتهدئة من جانب واحد لم تستمر طويلاً.

ويقول الباحث محمد جمعة، في دراسة بعنوان "الدور المصري في خطة الانفصال"، نشرت في مجلة السياسية الدولية: "حاولت‏ ‏مصر‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏مرة‏ ‏وبأكثر‏ ‏من‏ ‏طريقة‏ ‏أن‏ ‏تجد‏ ‏لها‏ ‏قدمًا‏ ‏في‏ ‏ساحة‏ ‏المسار‏ ‏السياسي‏، ‏فاستضافت‏ ‏الفصائل‏ ‏الفلسطينية‏ ‏في‏ ‏القاهرة‏ ‏لإجراء‏ ‏حوارات‏ ‏حول‏ ‏ترتيب‏ ‏البيت‏ ‏الفلسطيني‏، ‏وتعددت‏ ‏زيارات‏ ‏المسؤولين‏ ‏الأمنيين‏ ‏المصريين‏ ‏إلى ‏غزة، ‏ونجحت‏ ‏في‏ ‏بعض‏ ‏الأحيان‏ ‏في‏ ‏الحصول‏ ‏على "هدنة" ‏من‏ ‏فصائل‏ ‏المقاومة‏ ‏الفلسطينية‏، ‏ولكن‏ ‏على الرغم‏ من ‏ذلك‏ ‏ظل‏ ‏الدور‏ ‏المصري‏ ‏محدودًا‏ ‏وموقتًا‏، ‏ولم‏ ‏يفتح‏ ‏الباب‏ ‏أمام‏ ‏مشاركة‏ ‏مصرية‏ ‏جوهرية‏ ‏في‏ ‏المسار‏ ‏السياسي‏".

في 6/9/2003 قدمت الحكومة الفلسطينية بزعامة محمود عباس استقالتها، وهي لم تكمل الثلاثة شهور، وواصلت مصر مساعيها وإرسال وفود إلى الأراضي الفلسطينية لتشكيل حكومة فلسطينية جديدة بقيادة قريع. وتوزعت بحسب التقرير الاستراتيجي العربي الجهود المصرية في هذه الفترة على ثلاث اتجاهات مترابطة، أولها مع الرئيس عرفات الذي اتفقت معه القاهرة على أن فشل قريع بتشكيل الحكومة سيعتبر نقطة ضعف خطرة ستمس تواجد السلطة ككل، أما الجبهة الثانية التي عملت عليها مصر، فكانت على المستوى الإسرائيلي، حيث حاولت إرسال رسائل إلى تل أبيب تلوح لها بها بأنه من الضروري إعطاء قريع فرصة، وأن يكون هناك تجاوب إسرائيلي معه. وثالثًا، سعت مصر إلى إقناع الولايات المتحدة بأن تمارس ضغوطًا حقيقية على أرييل شارون لتهدئة الأمور على الساحة الفلسطينية حتى لا يتعرض أحمد قريع لنفس مصير أبو مازن.

وركز الموقف المصري بحسب التقرير على أن آلية التفاوض هي البديل الأوحد والأمثل لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حتى في ذروة التصعيد الإسرائيلي، وفي هذا الصدد تحركت مصر في اتجاهين، أولهما أساسي، والآخر ثانوي أو تابع، ولكنه ليس بديلاً للأول. أما الاتجاه الأول فتمثل في الإبقاء على خريطة الطريق كخطة مطروحة باعتبارها أفضل خطة لحل الصراع منذ اتفاقيات أوسلو، وضعا في الاعتبار مجمل الظروف التي يمر بها النظام العربي والقضية الفلسطينية ذاتها لا سيما بعد احتلال الولايات المتحدة للعراق. والاتجاه الثاني الذي تحركت فيه مصر هو تشجيعها من حيث المبدأ لقوى وجهود السلام غير الرسمية على الجانبين الفلسطيني- والإسرائيلي. وهكذا فقد تلخص دور مصر خلال عامي 2003 على هيكلة أجهزة الأمن الفلسطينية، ومحاولات لتهدئة الوضع مجدداً في محاولة لتهيئة جو يسمح بالعودة للمفاوضات، ولكن المحاولات المصرية جميعها أجهضت.

الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة:

بعد إعلان إسرائيل نيتها الانسحاب من قطاع غزة، بدأت أنظارها تتجه إلى القاهرة بصفتها الدولة الحدودية الوحيدة لقطاع غزة، والمنفذ الوحيد للفلسطينيين بعد الانسحاب، على‏ ‏أساس‏ ‏أن‏ ‏الانسحاب‏ ‏يعني‏ ‏وجود‏ ‏حدود‏ ‏مغلقة‏، ومعني‏ ‏هذا‏ ‏الإغلاق‏ ‏وجود‏ ‏حاجة‏ ‏لفتح‏ ‏بوابات‏ ‏من‏ ‏الجهة‏ المقابلة‏ ‏لا‏ ‏تجعل‏ ‏من‏ ‏القطاع‏ ‏سجنًا‏ ‏للفلسطينيين‏، بما‏ ‏يخلق‏ ‏مشكلة‏ ‏أمنية‏ ‏لا‏ ‏تقل‏ ‏حدة‏ ‏عن‏ ‏أوضاع‏ ‏ما‏ ‏قبل‏ ‏الانسحاب ‏وتصبح‏ ‏المشكلة‏ ‏وفقا‏ ‏لهذا‏ ‏الوضع‏ ‏مرتبطة‏ ‏بالحزام‏ ‏الأمني‏ ‏بين‏ ‏مصر‏ ‏وحدود‏ ‏القطاع‏.‏ كما‏ ‏أن‏ ‏الأوضاع‏ ‏الأمنية‏ ‏والسياسية‏ ‏في‏ ‏القطاع‏ ‏بعد‏ ‏الانسحاب‏ ‏من‏ ‏شأنها‏ ‏أن‏ ‏تشغل‏ ‏إسرائيل‏ ‏لكونها‏ ‏تؤثر‏ ‏في‏ ‏أمنها‏ ‏الذاتي‏. ‏ولعدم‏ ‏رغبة‏ ‏إسرائيل‏ ‏في‏ ‏التفاوض‏ ‏مع‏ ‏السلطة‏ ‏الفلسطينية‏ ‏حول‏ ‏الانسحاب‏، ‏فإن‏ ‏الوساطة‏ ‏المصرية‏ ‏كانت‏ ‏بمثابة‏ ‏حلقة‏ ‏الوصل‏ ‏التي‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تطمئن‏ ‏إسرائيل‏ ‏إلي‏ ‏قدرة‏ ‏السلطة‏ ‏علي‏ ‏القيام‏ ‏بواجباتها‏ ‏في‏ ‏حماية‏ ‏أمن‏ ‏القطاع‏ ‏وإدارته‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏تعطي‏ ‏السلطة‏ ‏الفلسطينية‏ ‏الشرعية‏ ‏عبر‏ ‏التفاوض‏ ‏معها‏.‏

وحسبما يوضح الباحث عمر علي في دراسة له بعنوان "الدور المصري: زحف بلا أقدام لدور بسيط يسوق على انه هدف راق" نشرت في مجلة "دراسات باحث" خريف 2004، فهنا بدأت إسرائيل بالتنسيق مع مصر لتنفيذ الانسحاب، ولكن ذلك لم يرق للكثير من الفلسطينيين الذين زادت شكوكهم نحو الخطة برمتها. ويمكننا‏ ‏في‏ ‏هذا‏ ‏السياق‏ ‏رصد‏ ‏مجموعة‏ ‏من‏ ‏الأطر‏ ‏الحاكمة‏ ‏لموقف‏ ‏مصر‏ ‏ورؤيتها‏ ‏لدورها‏ ‏في‏ ‏خطة‏ ‏الفصل‏ ‏الإسرائيلي‏، منها ‏ترحيبها‏ ‏بمبدأ‏ ‏الانسحاب‏ ‏في‏ ‏حد‏ ‏ذاته، ‏وفي‏ ‏هذا‏ ‏الإطار، سعت‏ ‏مصر‏ ‏باتجاه‏ ‏الإدارة‏ ‏الأميركية‏ ‏بغية‏ ‏إقناعها‏ ‏بالضغط‏ ‏علي‏ ‏إسرائيل‏ ‏لتنسيق‏ ‏خطتها‏ ‏للانسحاب‏ ‏مع‏ ‏الفلسطينيين‏. كون الموقف المصري تعرض للكثير من الانتقاد من الجانب الفلسطيني. ويعود ذلك من خشية الفصائل الفلسطينية أن تقود خطة الانسحاب لشراكة أمنية مصرية – إسرائيلية تدفع الفصائل ثمنها ويتم تجريدها من سلاحها.

وكذلك خوف الفلسطينيين من يتطور الدور المصري فيكون بديلاً عن السلطة الفلسطينية. أيضا خشية أن يؤدي قبول مصر لخطة الانسحاب لتكريس مبدأ الحلول الأحادية التي كان شارون يقودها. ولكن المخاوف الفلسطينية -حسبما يشير الباحث عمر علي في دراسته- لم تصل لحد رفض الخطة المطلق أو رفض التحركات والأفكار المصرية.

وقد وسعت‏ ‏إسرائيل‏ ‏إلى‏ ‏ربط‏ ‏الدور‏ ‏المصري‏ ‏بأمرين‏: ‏الأول‏: ‏دخول‏ ‏قوات‏ ‏مصرية‏ ‏إلي‏ ‏قطاع‏ ‏غزة‏ ‏لمراقبة‏ ‏أداء‏ ‏الأجهزة‏ ‏الأمنية‏ ‏الفلسطينية‏ ‏في‏ ‏مكافحة‏ ‏ما‏ ‏تسميه‏ ‏إسرائيل‏ "‏الإرهاب"‏. والثاني‏: ‏أن‏ ‏تتولى‏ ‏مصر‏ ‏مسؤولية‏ ‏السيطرة‏ ‏الأمنية‏ ‏علي‏ (‏محور‏ ‏فيلادلفيا‏) ‏الحدودي‏ ‏لمنع‏ ‏ما‏ ‏تزعمه‏ ‏من‏ ‏عمليات‏ ‏تهريب‏ ‏الأسلحة‏ ‏إلي‏ ‏داخل‏ ‏الأراضي‏ ‏الفلسطينية‏.‏ ولكن القاهرة رفضت ذلك، وأوضحت أنها غير مستعدة لتحمل ذلك، وطالبت بتعديل ملحق اتفاقية السلام الإسرائيلية – المصرية.

الانتخابات التشريعية الفلسطينية وصعود حماس:

شكل فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية صدمة للكثير من المتابعين والأطراف الدولية، وحاولت مصر بدورها القيام بدور متوازن، وعملت في الوقت ذاته، على التقليل من هول الصدمة التي أحدثها صعود حماس إلى سدة الحكم، حيث أشار الرئيس المصري حسني مبارك في تصريحات لصحيفة يديعوت بعد أيام قليلة من إعلان نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية إلى "أن حركة حماس التي فازت أخيرا بالانتخابات التشريعية الفلسطينية‏,‏ راغبة في السلام‏,‏ وتريد أن يعيش الفلسطينيون في سلام‏". وحاولت مصر أيضا جر حماس من محور إيران وسوريا، كوسيلة لإنهاء حالة الصراع القائمة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي والتي أضر استمرارها بالاقتصاد المصري كثيراً كما أثرت على أوضاع المنطقة الاقتصادية بشكل عام.

وبقيت القاهرة حلقة الوصل بين حماس وإسرائيل من طرف، وحركة فتح وحماس من طرف ثاني، وارتبط تصاعد هذا الدور مع اشتداد الخلاف بين هذه الأطراف الثلاثة، ودعت القاهرة في أكثر من موقف بشكل مبطن حركة حماس بالالتزام بالاتفاقات الدولية وضرورة أن تقبل حماس باتحاد تسوية مع إسرائيل على أساس الدولتين. ولكن العلاقة بين حماس ومصر بقيت مرهونة ومحكومة بطبيعة التطورات التي شهدتها الساحة الفلسطينية، وبخاصة الاقتتال الداخلي الذي اشتد بين حركتي فتح وحماس، وانتهى بسيطرة الأخيرة على غزة يونيو الماضي، والتي على أثرها انسحب الوفد الأمني المصري من القطاع، ولكن من القاهرة تواصلت الدعوات للأخوة الفلسطينيين المتقاتلين للعودة إلى طاولة الحوار، ولكن تمسك قادة الطرفين بشروطهما حال دون ذلك.

ومع تدحرج الأوضاع، واشتداد الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، لجأ الفلسطينيون الغاضبون إلى الحدود المصرية، بصفتها الملاذ الأخير لهم، وسمحت السلطات المصرية بدخولهم للعريش وسيناء للتزود بالاحتياجات، ولم يعارض الرئيس مبارك نفسه هذه الخطوة، حيث أوضح في تصريحات تلفزيونية أنه لا مانع من دخول سكان غزة للأراضي المصرية للتزود بالمؤن والاحتياجات بما أنهم لا يحملون السلاح أو أشياء ممنوعة.

وقد استمر فتح الحدود بين مصر وغزة لعدة أيام، ثم بعدها بدأت الحدود بين الجانبين تغلق رويدًا رويدًا، ومعها بدأت حدة التصريحات المصرية بالتصاعد ضد حركة حماس، بالتوازي مع حملة إعلامية قادتها الصحف المصرية الرسمية، وتوجت هذه الحملة، بما قاله وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيظ، حين صرح: "من يكسر خط الحدود سنكسر قدمه"، هذا في وقت عزز رجال الأمن المصريين الحراسة على طول الحدود مع غزة.

والتطورات والتصريحات السابقة رأى الكثير من المراقبين فيها انقلاباً في الموقف المصري تجاه حركة حماس التي تسيطر على غزة. وتباينت القراءات للأسباب، فبينما عبر البعض عن اعتقادهم أن مصر تخشى على أمنها القومي وبخاصة لما تشكله حركة حماس من امتداد لحركة الأخوان المسلمين في مصر، رأى آخرون أن القاهرة خضعت لضغوطات خارجية، وبين هذين الرأيين هناك من اعتبر أن سماح مصر للغزيين من دخول أراضيها في المرة الأولى جاء بعد تخوفها من قيام الجمهور المصري الغاضب بهذا الدور، ولذلك فقد أعطت أوامرها لرجال الأمن المصريين بعدم منع المواطنين الغاضبين من غزة من دخول مصر. ولكن بعد هدوء حدة الغضب في الشارع العربي نتيجة الحصار المفروض على غزة، عادت القاهرة لتشدد من الحراسة على حدودها.

وما سبق دفع بعض المراقبين الفلسطينيين أيضا إلى القول إن اهتمام مصر في القضية الفلسطينية مرتبط بأمنها بالدرجة الأولى، وكان ذلك واضحًا من خلال تصاعد وتيرة الدور المصري خلال ظهر القضايا القريبة من الحدود المصرية كالانسحاب، وذلك يرجع إلى كون غزة تعتبر البوابة لمصر، ولهذا فأن استقرارها يعني استقرار وهدوء الأراضي المصرية.

كما أن الدور المصري يشهد تكثيفاً في الأوقات التي تهدأ فيها الأجواء وتعود المفاوضات إلى صدارة الحدث، ولكن مشكلة الحدود حاليًا مع غزة حرفت اهتمام القاهرة، ودفعتها إلى الانتباه للقضايا التي تمسها أكثر، مثل أمنها القومي، ولكن ذلك، لا يعفيها من الإجابة على التساؤل الكبير الذي بقي مطروحًا، ماذا ستفعل القاهرة عندما يشتد الحصار الإسرائيلي مجدداً على قطاع غزة، وتنفذ مستلزمات الحياة الأساسية من القطاع؟، هل ستسمح بفتح حدودها، أم تترك أهل غزة يواجهون مصيرهم المحتم؟

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على الدور المصري في القضية الفلسطينية... محطات ومواقف

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
73577

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري