آخر الأخباراخبار الفن والثقافة › "سعال ملائكة متعبين": صور وغرابة بجمال فكري

صورة الخبر: "سعال ملائكة متعبين": صور وغرابة بجمال فكري
"سعال ملائكة متعبين": صور وغرابة بجمال فكري

مجموعة قصائد "سعال ملائكة متعبين" للشاعر الجزائري خالد بن صالح تحفل بأجواء جمالية وبغرابة تضيف في أحيان كثيرة الى جمال تلك الاجواء.

الغرابة هنا ليست غرابة كلية وغير مسبوق اليها فما سمي الكيمياء اللفظية شأن قديم نسبيا وإن جعل مدرسة ونهجا وأصبح شهيرا على ايدي الرمزيين الذين مزجوا الالوان والاصوات والروائح والحالات النفسية والخواطر وجعلوها تتبادل الادوار.

إلا أن كثيرا من قصائد المجموعة يحفل بألوان من "المتعة" الفكرية التي لا تقوم على مزج في وظائف الإنسان والطبيعة فقط بل تكاد تكون مغرقة في خلق صور وأفكار وما يقصد به أن يكون "حالات" لكن معظم ذلك نادرا ما يخرج عن "ذهنية" فرضها الشاعر أو فرضتها على الشاعر نفسيته أو فلنقل ثقافته وتجاربه.

ومن هنا نجد أن كثيرا من هذه "الحالات" لا ينطبق عليه تماما وصفه بأنه حالات أو حالة ما لأن الحالة تفترض تجربة نفسية حارة أو دافئة تنقل شيئا من "العدوى" إلى نفس القارىء فيؤدي إلى نوع من الإنفعال او التأثر.

فقد يجد القارىء نفسه إزاء كثير من هذه القصائد كمشاهد يرقب بإعجاب أحيانا وبشيء من "الذهول" أحيانا أخرى ألعابا يقوم بها " ساحر" من النوع الذي يشتغل بالكلمات والصور التي يصوغها منها بمهارة دون شك.

لكنها تبقي اقرب الى مشاهد "رخامية" هنا او الى ألعاب يخرج بها هذا الساحر عوالم ومشاهد ومزيجا غير مترابط غالبا من فضة هنا أو بلور وصفيح هناك وبلاستيك هنالك. إنها إجمالا تخلق متعة باردة لا حالة حارة. وفيها ما يبدو طبقات أو حلقات تتراكم ونادرا ما تترابط بشكل عضوي.

اشتملت المجموعة على 18 قصيدة في ثلاثة أقسام أو ثلاثة عناوين رئيسية. وقد ورد كل ذلك في 77 صفحة متوسطة القطع. صدر الكتاب عن " الدار العربية للعلوم ناشرون" في بيروت و"منشورات الاختلاف" في الجزائر العاصمة. إلا أن الناشرين لم ينسوا أن يذكروا لنا أن لوحة الغلاف هي للفنان العراقي ثامر داود وأن تصميم الغلاف هو لسامح خلف.
قدّم الشاعر لمجموعته بكثير من الكلام الشعري. قال مخاطبا امرأة قبل أن ينتقل الى مخاطبة أبيه "إليك.. أو حين تولد الخطى قبل السفر.. وحدك .. أمعنت النظر في موتي.. فتأجل... الى أبي.. احتفاء بالخراب الجميل. الى الاصدقاء.. انتماء للحياة."

ننتقل بعد ذلك الى الشاعر الفرنسي بودلير وقوله مترجما الى العربية ثم بأصله الفرنسي "ما يمكننا أن نراه في ضوء الشمس هو دائما اقل اهمية مما يجري خلف الزجاج." ومن هنا ننتقل الى قول أدونيس "مسافر دونما حراك/ يا شمس من اين لك خطاك.." وبعد ذلك الى شاعر بدا تأثيره جليا في المجموعة هو محمد الماغوط وقوله :"ان احشائي مليئة بالقهوة الباردة والمياه العمياء وحنجرتي مفعمة بقصاصات الورق وشرائح الثلج. أيها الماء القديم أيها الماء النيء.. كم أحبك."

من الأقوال التي وصفت المجموعة ما حمله الغلاف لعماد فؤاد "يستطيع خالد بن صالح بنزق الشاعر أن يقولها لنا بصراحة.. الصورة ليست كل الشعر. ولأنها كذلك فعلا تطالعنا نصوص هذه المجموعة الأولى له وهي تحمل في رحمها اجنة عديدة.. ثمة أصوات منشغلة بالبحث الدؤوب عن الشعر في التفاصيل والأشياء والأفكار والعلائق.. ثمة بحث عما هو شعري فيما ليس بشعر..."

وعلى صحة كثير من هذا القول قد يجد القارىء أن ما أشار اليه الناقد يتحول في مجمله غالبا الى تفاصيل لخلق صورة أو صور حتى في الحالات الباردة.

وقال أسعد الجبوري في المقدمة: "شعرية خالد بن صالح عمل جنائي في الحب قبل أن تكون كتابة في تأليف نص لغوي. فالتجريب بصيد المفردات من أبعادها الداخلية يكشف لنا عن حوض فوار لمعادن مختلفة في تربته الخضراء وإنه شاعر يصوغ من النساء نصوصا ومن بهرجة الأحداث اليومية منازل شعرية بجدران يمكن تخيلها بألواح من زجاج..."

في قصيدة "كما قال الشاعر" نقرأ: "خمرك صاحية يا صديقي/ واجتياز عتبة السؤال مغامرة كسيحة... كأن الموت بوسعك دائما تفاحة تبتسم لسكين/ والعابرون على ظلك الملقى في الطريق العام/ لا يلتفتون لعبارة: "انا الذي.." ولا يلوحون -مبتسمين- بأياديهم المستعجلة/ ظلك لم يعد يلازم انعكاس الضوء الآفل خلف حكاياك..."
والتجريد دائم الحضور عند الشاعر ويختلط بالحسي في صوره وعبرها.

في قصيدة "فينوس" التي تذكر بأجواء تشبه بعض اجواء الشاعر اللبناني شوقي ابي شقرا يقول خالد بن صالح "في المرآة../ نهد يضج بالحكمة/ لتمثال/ منزوع الذراعين/ مبتور الساقين/ ناعم اللذة/ يميل برأسه/ على كتف الفراغ/ نصف زجاجة النبيذ هواء/ ونصفي الممتليء فكرة.../ عندما تلج الغرفة عارية/ بيضة كبيرة/ وجناحان/ الكهرباء تنام على مؤخرة المصباح/ الظلمة ايقونة الجهل..."

وفي "نساء" نقرأ "امراة تنتمي الى آخر البياض/ امرأة ليست شتاء او فصلا اخر.. لحظة دفء/ امرأة كأنها جيوش من الافكار.. احتلال مزيف/ امرأة لا غبار عليها.. قطعة رخام/ امرأة خفيفة الظل/ فراشة تحترق..."

لعل في قصيدة "مطر خفيف يخدش زجاج النافذة" بعض ما يمكن أن يوصف بأنه يدخل شيئا من الدفء كما يدخل حزنا الى أجواء شعر الشاعر فيزيده جمالا بل يجعله اقرب الى الأنفاس البشرية. نقرأ: "في الدخول الى الثلاثين/ عتبة محت خطى العابرين ملامحها/ العابرات.. ان كن حافيات اشد فتكا بالعمر/ والعمر في زحفه الغبي نحو النهاية/ في اللحظة الشاردة لا يسأل نادل المقهى.

"في الدخول الى الثلاثين/ حتى الاشياء التي تركتها ورائي/ تعود لتسبق انفاسي الى حتفها/ وألقى في طريقي الى النسيان ما يؤخرني من الاغنيات/ امي بأناملها وهي تحاول محو ما كتب من احزان على جبيني..."

التجول في عالم قصائد خالد بن صالح كالتجول في متحف فيه كثير من الجمال والغرابة والغرابة الجميلة.. لكن القارىء سيشعر على الارجح بالبرد.

المتحف الجميل ينقصه الدفء. وموقد صغير هنا وآخر هناك لا يكفيان.. هناك حاجة الى "تدفئة مركزية".

المصدر: العرب أونلاين-جورج جحا

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على "سعال ملائكة متعبين": صور وغرابة بجمال فكري

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
98536

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

خلال 30 أيام
خلال 7 أيام
اليوم