«رئيس بالصدفة» يحيي الآمال في نيجيريا

الأحداث التي أوصلت غودلاك جوناثان، الرئيس بالوكالة، إلى السلطة في نيجيريا غريبة للغاية، إلى درجة أنه بدا مذهولا خلال تنصيبه في هذا البلد المضطرب والمشتت. لم ينتخب جوناثان، ولم يعين بالمعنى الحرفي، كما أنه لم يرتق إلى السلطة في انقلاب، على عكس الكثيرين ممن سبقوه. كأكاديمي رصين يعتمر قبعة سوداء لا يبدو الرجل ملائما لبيئة نيجيريا التي تتطلب رئيسا بمواصفات خاصة.

ومع تلقي الرئيس عمر يارادوا العلاج منذ ثلاثة أشهر في أحد المستشفيات السعودية، وعدم ورود أنباء عن عودته، وافق البرلمان على تولي جوناثان منصب القائم بأعمال الرئيس، معتبرا أنها خطوة ضرورية من أجل السلام والنظام.

نتيجة لذلك حضر جوناثان اجتماع قادة غرب أفريقيا في اجتماع القمة الذي عقد في نيجيريا الأسبوع الماضي، مطرقا رأسه وهو يلقي التحية ويصف نفسه بأسف مجرد بأنه ممثل للرئيس يارادوا الذي لن يتمكن من الحضور. لكن السؤال الذي يطرح نفسه على الساحة النيجيرية والدولية في الوقت الراهن: هل هذا هو الرجل القادر على معالجة الأزمات في دولة تشهد حركات تمرد متزامنة في الشمال والجنوب، وتباينا هائلا في توزيع الثروات، ودستورا مهترئا، إضافة إلى أنها دولة تضم أكبر عدد من السكان في أفريقيا و36 مليار برميل من احتياطي النفط وخطوط إمداد كهرباء ضعيفة.

جوناثان، 52 عاما، الذي يحمل شهادة دكتوراه في علوم الحيوانات والمسؤول البيئي السابق يثير آمالا غير عادية في نيجيريا بعد أسبوع فقط من توليه المنصب نظرا لسيرته الذاتية التي لا يشوبها الفساد. وقد تعالت النداءات بالفعل لتنصيبه رئيسا للدولة من قبل مجموعات شعبية بارزة.

هذا الصعود السياسي لهذا الابن الغامض لنيجيري من الجنوب، المنتج للنفط، يعمل في صناعة القوارب وصيد الأسماك، يعزى إلى سلسلة من المصادفات والحوادث المؤسفة التي وقعت في الغالب دون رغبة منه، بحسب رواية مساعدين له ومحللين. يقول صامويل أمادي، مدير السياسية في مجموعة الحكم الرشيد، والناشط السياسي النيجيري «إنه ليس مهووسا بالسلطة، فهو لا يملك زهو السياسيين النيجيريين».

جوناثان مشي بخطى بطيئة في قاعة فندق هيلتون في العاصمة أبوجا في طريقه لحضور القمة الإقليمية هذا الأسبوع، وحث النيجيريين على عدم نشر الإعلانات في الصحف لتهنئته بتوليه الرئاسة. عين جوناثان مساعدين رئيسيين له من خارج الحلقة التقليدية من الأثرياء وأصحاب النفوذ، مثل أورونتو دوغلاس، البيئي البارز والمحامي السابق لكين سارو ويوا، ناشط دلتا النيجر، الذي أدى إعدامه من قبل المؤسسة العسكرية عام 1995 إلى إدانة دولية وعزلة دبلوماسية.

وتشير الملامح الأولى إلى انفصاله التام عن سياسة سلفه يارادوا، فقد سارع جوناثان إلى عزل المدعي العام مايكل أنودواكا المسؤول عن التخلي عن وعود الرئيس بالحكومة الرشيدة. ويقول أمادي «كان هذا القرار أكثر القرارات رمزية».في خطاب توليه السلطة وعد جوناثان «بالحرب على الفساد بقوة»، وقال مساعدوه إن نوهو ريباديو، الذي اعتبر أنشط مسؤولي محاربة الفساد والذي ظل في منصبه حتى أجبره المدعي العام مايكل أنودواكا وآخرون على الاستقالة سيعود إلى منصبه.

يصر جوناثان على أن السلام الهش في منطقة دلتا النيجر، حيث يحارب المقاتلون وقطاع الطرق من أجل السيطرة على النفط، سيتم تعزيزه وستقوم الحكومة بتطبيق برنامج عفو. وأبدى النيجيريون ارتياحا لنهاية الفراغ في السلطة وأمطروه بالزيارات، لكن جوناثان منع ذلك لأن مساعديه قالوا إنه يرغب في الشروع في العمل. وقال بيتر لويس، مدير برنامج الدراسات الأفريقية في كلية الدراسات الدولية العليا في جامعة جون هوبكينز «كان صارما وحازما إلى حد بعيد في تعزيز سيطرته على الحكومة». وقد التقى جوناثان على نحو عاجل بمسؤولي شركات النفط، في بلده، خامس أكبر بلد مصدر للنفط على مستوى العالم.

بيد أن سيرة جوناثان الذاتية، كما وصفها مساعدوه والكثير من الروايات في الصحافة النيجيرية، تثير التساؤلات حول ما إذا كان يملك القوة المطلوبة للتفاوض في الحياة السياسية الشائكة في هذا البلد، فهناك 36 حاكما بعضهم يسيطر على ميزانيات ضخمة بسبب النفط، ومؤسسة عسكرية قوية قضت أغلب السنوات الخمسين الماضية منذ استقلال نيجيريا في الخوض في صراعات سياسية، والمجموعات الشمالية الممتعضة من تنحية يارادوا أحد أبنائها قبل انتهاء ولايته في 2011 لصالح رئيس من الجنوب. ويقول حسين توكور، سكرتير مجلس الطاقة الوطني «إن تواضعه غير معروف في هذا الجزء من العالم». ربما يكون هذا الكم من الثناء إحدى أكبر نقائصه. ويضيف دوغلاس، أحد مساعديه «إنه لم يطمح إلى الإدارة أو التعامل مع السياسة، فهو لم يكن صاحب طموح سياسي بل كان صاحب طموح أكاديمي».

تحفظ جوناثان بشأن السياسة وتوقه إلى الحياة الأكاديمية شكلا أغلب حياته المهنية بحسب تلك الروايات. يقول مساعدوه إنه اقتنع بعد جهود كبيرة بالانضمام إلى حاكم الولاية كنائب له في الانتخابات على حكم ولاية بايلسا مسقط رأسه في أواخر التسعينات. ويقول يوبيلي بانيغو، الذي يعمل ضمن المستشارين المقربين له، إن جوناثان كان غير مهتم تقريبا ومنعزلا تقريبا كنائب للحاكم، الذي لم يكن منصبا ذا سلطة فعلية. وعندما واجه الحاكم تهما بغسيل أموال أدت إلى إدانته وسجنه رفض جوناثان تولي السلطة في الولاية، وقال إن القانون لا بد أن يأخذ مساره الطبيعي.

في النهاية تخلى جوناثان عن الحاكم الفاسد ديبري ألميسيغا، واستقر رأي يارادوا عليه كنائب له لم تشبه شائبة الفساد على الرغم من مصادرة لجنة الجرائم المالية والاقتصادية 13.5 مليون دولار من زوجته، بيشنس، في عام 2006 للاشتباه في غسل أموال، ولم تجر محاكمتها.

لم يحظ جوناثان بشهرة خلال توليه منصب نائب الرئيس، فقد انصب تركيزه على حل النزاع الطويل الأمد في الدلتا والذي أضنى البلاد لسنوات. كانت النتائج مختلطة.. فقد توصلت الحكومة إلى اتفاق سلام مع المقاتلين هناك، لكنها فشلت في الوفاء بوعودها في الإبقاء على المقاتلين السابقين وتنمية المنطقة، مما أدى إلى تهديدات بتجدد الاضطرابات. وقد رحبت المجموعات المقاتلة بتولي جوناثان السلطة بيد أن حركة تحرير دلتا النيجر قالت إن أصوله الجنوبية لن تعوقها بالضرورة عن مواصلة القتال.

فقد قام بعض المقاتلين بتفجير منزله في المنطقة في عام 2007. وعلى الرغم من أن التسوية بالسلاح لم تؤد يوما إلى سلام، فإن نزعة جوناثان تجاه المصالحة يمكن أن تؤتي ثمارها. ويقول دوغلاس إنه يستمع بصورة كبيرة، ويستشير كثيرا، وينادي أي فرد أكبر منه سنا ولو بيوم واحد بـ «سيدي».

المصدر: aawsat.com