آخر الأخباراخبار الفن والثقافة › سميح القاسم: كل ما في حياتنا يستدعى للأسف

صورة الخبر: القدس اليوم عاصمة الغضب العربي والحزن العربي والمذلة العربية
القدس اليوم عاصمة الغضب العربي والحزن العربي والمذلة العربية

لا أحد يستطيع الحديث عن الشاعر الكبير سميح القاسم وتجربته الشعرية دون الوقوع في هوى فلسطين وهوى قصائده المتمردة والملتصقة بآهات المشردين وصيحات الشهداء وزغردة الأمهات وأغاني الحصادين بالبيادر. هو أثر الصراخ والصياح وأعلاء صوته بالحق منذ الصغر ، هو صوت الجماهير العريضة ومغنى المهمشين والمقهورين و المظلومين في زمن عز فيه الغناء و الصياح ،هو ذاكرة الأمة التي تفتقد إلى الذاكرة، كتاباته مراث للزمن العربي المشوه المنغمس في التيه والجهل والتخلف وقصائده تنهل من النصوص المقدسة والمخيال الشعبي والشعر الكلاسيكي وقراءاته الكثيرة والمتنوعة، هو يحاول أن يذيب ذاته الشعرية في الذات الجماعية بحثا عن خلود التجرية الفنية. هو شرارة متمردة في واقع محكوم بالطمأنينة والخنوع، هو "تفاحة على تلة الحزن" و"الشوق إلى هديل المطر" حروفه زهرة برية تعشق الحرية وصوته يستمده من تغريد الطيور وصوت حفيف الشجر. "جعل من الموت موقفا". ومن الأبجدية مركبا أبحر به عبر مسيرته الطويلة من الماء إلى الماء وحملنا معه في كتاباته الكثيرة إلى شواطئ الصدق وخلجان المحبة.

في كل مرة يتجدد فيها اللقاء بالشاعر الكبير سميح القاسم إلا وتحصل المتعة والإفادة، وفي زيارته الاخيرة إلى تونس كان لنا معه هذا الحوار المطول والصريح الذي تطرق فيه إلى تطور الأوضاع الأخيرة على الساحة الفلسطينية والعربية، وتحدث أيضا عن العلاقة الكبيرة التي جمعته بالراحل محموجد درويش، كما لم يفته التطرق إلى وضع المثقف العربي بالداخل والخارج، وتفرع الكلام إلى بعض الخصائص عن التجربة الإبداعية ككل للشاعرسميح القاسم وخاصة ديوانه الأخير "أنا متأسف" الذي جاء في شكل ملحمة مطولة كتبت زمن الحرب على غزة. فتعالوا نكتشف كل ذلك في الورقات التالية.

* تعود إلينا بأشواق كثيرة وقصائد جديدة من ديوانك الجديد الصادر أخيرا بعنوان "أنا متأسف". فلماذا العنوان المستفز؟ وعلى ماذا الأسف؟
- بمنتهى البساطة والعفوية كل ما في حياتنا يستدعي الأسف وتعبير أنا آسف أقل من قوة الأسف لذلك استعملت التعبير الأكثر شعبية "أنا متأسف" وشديد الأسف، أعطني سببا واحدا حتى لا نشعر بالأسف، أعطني سببا واحدا من المحيط إلى الخليج يجعلنا لا نتأسف وسأعتذر علنا وأتحداك ان تجد سببا واحدا للإبتهاج والطمأنينة وللفرح.

* انتظرت أن يكون هذا الواقع العربي محفزا على الغضب أكثر من الأسف وبالتالي يصبح العنوان "أنا غاضب" عوضا عن "انا متأسف"؟
- الغضب يمتد على أكثر من تسعين كتابا صدرت لي حتى الآن والأسف هو صورة من الغضب المصاب بالخذلان. لذلك يتحول الأسف إلى خصوصية قي تجربتي الآن.

* ديوانك الأخير جاء في شكل قصيدة مطولة تشبه الملحمة وموسوم بعنوان فرعي "سربية" فلماذا هذا الشكل والإختيار الفني تحديدا؟ وأي رسالة تريد تبليغها من وراء هذه السربية" التي كتبت زمن الحصار على غزة؟
- هذا الشكل الشعري "السربية" ليس شكلا جديدا، "السربية" الأولى نشرتها على ما أظن سنة 1964 وهذا الشكل هو شكل مستحدث ولا يقوم على صيغة الملحمة بالذات ولكنه يقوم على التداعيات الفكرية والوجدانية وهو أشبه بحركة أسراب الطيور من هنا إشتققت اسم "سربية" من عملية سرب الطيور تحلق وتهبط تدور وترتفع بها وتعود هذه الحركة عند أسراب الطيور إستعدتها في حالة شعرية معينة تقوم على التداعيات ومن هنا جاء اسم "سربية".
وهذا العمل الآخر بدون شك كتب أثناء حصار غزة والعدوان عليها ولم يكن لدي هناك من وسيلة للمشاركة وللتصدي للعدوان سوى الكتابة والشعر لذلك ظهرت هذه السربية لتفنيد دعاو الإحتلال والعنصرية والعدوان ولتنفيذ الإعلام الباطل الذي يصور العرب والمسلمين بأنهم إرهابيون وقتلة ولصوص وللتأكيد على أننا نحن ضحايا الإرهاب والعنصرية لذلك أعتقد أن هذا الحوار ليس فقط مع الفكر والعقل الصهيوني وإنما هو حوار مع موقف عالمي غير متفهم للقضايا العربية وللقضية الفلسطينية تحديدا. وأما الرسالة الخفية والمباشرة فهي تترجمم في رسالة الإبداع عموما المحفز على المقاومة والصمود والوعي بالقضايا الآنية والمستقبلية.

* مرت منذ أيام سنة على رحيل صديقك ورفيق دربك محمود درويش فكيف عشت هذه المسافة الزمنية وما هو الأثر الذي تركه فيك غياب هذه القامة الشعرية؟
- كما أقول دائما أنا لا أتعامل مع تواريخ وروزنامة وأجندا، الإحساس الشخصي مشبع بالفجيعة الذي يشكل رحيل محمود درويش جزءا منها فالفجيعة أكبر مني ومن محمود ومنا كلنا لكنني أحاول الإلتفاف على رحيلة وأتعامل معه كأنه ما زال موجودا، وأعتقد انه مازال موجود ليس بالقصيدة بل بتجربة امتدت أكثر من نصف قرن وعلاقة صداقة وأخوة وصراع وخلاف ولقاء وغضب وقد خلصها هو في رسالته الأخيرة التي تقول "صداقتنا أقوى من الحب" وأعتقد أن علاقتنا وصداقتنا كانت ومازالت أقوى من الحب وأقوى من الشعر وأقوى من السياسة لذلك فهو موجود بشكل أو بآخر في وجداننا.
وقد كتبت في هذا الإطار قصيدة "مكالمة شخصية جدا" وهي تعبر عن عمق هذه العلاقة، ذلك أننا اعتدنا لسنوات كثيرة أن نسهر معا في ليلة رأس السنة، وفي رأس السنة الأول على رحيله تملكني إحساس بأني لو اتصلت به سيرد على الهاتف وبالفعل طلبت الرقم أكثر من مرة ولم يرد إُنما كان التسجيل الذي يقول "صاحب الرقم المطلوب غير متوفر حاليا حاول مرة اخرى" وقد حاولت أكثر من مرة ولكنه لم يرد يبدو أنه في مكان بعيد.

* ما رأيك في القصيدة المطولة التي نشرت في ديوان بعنوان "لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي" ثم وقع سحبها من الأسواق نظرا لوجود اخطاء لغوية وعروضية كثيرة فيه؟
- أعتقد أن الديوان الرسمي للشاعر يجب أن يعده الشاعر نفسه ويبدو لي انه بعد رحيل محمود درويش اغتصبوا مكتبه وأخذوا مقاطع وبدايات وأفكار مكتوبة على ورق لم تجهز للنشر كقصائد ونشروها من دون إذنه. بل جمعوا هذه الأفكار ونشروها ولم يكلفوا بها أشخاصا أكفاء قادرين على القراءة المتأنية واحترام العروض وقواعد اللغة. وأعتقد أن هذا العمل فيه إساءة وإهانة لذكرى محمود درويش الذي لا يستحق أن يكافأ بهذا الشكل.
* نحتفل في تونس هذه السنة بمائوية الشاعر الفذ أبو القاسم الشابي فكيف تنظر إلى توظيف هذا الشاعر الرومنطيقي في خدمة قضايا وطنه وأمته؟ وكيف يلعب الشعر والإبداع عموما دورا مهما في الدفاع عن القضايا العادلة؟
-كما أقول دائما لا يوجد إبداع خارج هموم الناس وبعبارة أخرى لا يوجد إبداع خارج السياسة وكل من يدعي أنه يبدع خارج السياسة فهو دجال ببساطة وضحل الثقافة و التجربة . فالتجربة الإنسانية فيها الحلم والواقع والسياسة والذاتية والشعب والوطن والغربة والوحدة والعزلة والتفرد والتوحد وكل هذه الأمور تشكل العمل الإبداعي. وهنا أستشهد كثيرا بلوركا حين سئل لماذا تتدخل بالسياسة؟ قال "انا أدافع عن ابتسامتي" ولم يسم ذلك تدخلا في السياسة أنا ليست لديّ ابتسامة أدافع عنها لديّ دمعة فاسمحوا لي أن أدافع عن دمعتي. والروائية الأمريكية جوني موريسون الحائزة على جائزة نوبل قبل فترة وجيزة في مقابلة صحفية اعترفت بأن لا إبداع خارج السياسة والمبدع هو سياسي بالضرورة ولكن المقصود بالسياسة هنا ليس برنامج حزب أو خطاب رئيس أو بيانا من ملك المقصود بالسياسة هو الهم الإنساني وهم المجتمع. الموقف، الجوع، الفقر، الحرمان، الحرية، الظلم، العدالة الإجتماعية هذا هو المقصود بالسياسة كما أفهمها وكما أجسدها في قصيدتي. أنا لست عضوا في أي حزب ولا في أي حركة، جربت العمل الحزبي فلم أنجح لأنني لم أتمكن من الإلتزام بإطار لكن تورطي الإختياري في الحياة لا يمكن إلا أن يلتصق بهموم الوطن والشعب والحرية، والسياسة ليست رفاها فكريا عندنا بل هي ضرورة حياة أو موت، هي ليست لعبة حكومات وأحزاب وتوازنات لا هي مسألة مصيرية مرتبطة بالحياة والموت بالنسبة لنا لذلك مفهوم السياسة يجب أن يدرس جيدا قبل توجيه سؤال لشاعر أو لفنان.

* ونحن نحتفل هذه السنة بالقدس عاصمة للثقافة العربية، كيف تقيم هذه التظاهرة وما هو الدور الذي تلعبه في خدمة القضية الفلسطينية والدفاع عن عروبة القدس؟
- عن أي تظاهرة تتحدث؟ لا توجد تظاهرة وانت تفاجئني بهذا الكلام. كفى ضحكا على الذقون وكفى تهريجا وتدجيلا، القدس محتلة وهي تهود يوميا وفيها مئات الآلاف من الناس المهمشين والمهملين والجياع والمعذبين ويطردون من منازلهم ويسكنون تحت الشجر وعلى الأرصفة، هذه هي القدس وليست هي أماكن مقدسة فحسب القدس ليست الأقصى والقيامة وقبه الصخرة المشرفة، إنما هي آلاف البشر المشردين والمقموعين، قدس الأرض جديرة بإهتمامنا. مليونير يهودي واحد اسمه "موسكوفيتش" يتبرع لتهويد القدس أكثر مما تتبرع به الامتان العربية والإسلامية لحماية عروبة القدس.
القدس موجودة بقرار أو من دون قرار مومجودة في هاجسي وفي فكري وفي همي. القدس اليوم هي عاصمة الغضب العربي وعاصمة الحزن العربي وعاصمة المذلة العربية وسنحررها ونجلعها عاصمة الثقافة العربية.

* ونحن نتحدث عن القدس هل تعتقد أن صورة القدس الموجودة في الإبداع الفلسطيني والعربي، ارتقت إلى المستوى المطلوب فينا، أم كانت مجرد عملية وصف حماسي وبكائيات متسرعة؟
- أظن أن هذا كلام افتراضي، القدس حاضرة في الشعر العربي والوجدان العربي والرواية العربية أيضا، وهي موجودة بصورة طبيعية، وأما الإرتقاء الفني الذي تحدثت عنه فهو يعود إلى المبدع نفسه، فحين غنت فيروز للقدس، غنت بأجمل مما غنى الفرنسيون لباريس وأجمل مما غنى البريطانيون للندن ومما غنى الروس لموسكو، فيروز قدمت عملا فنيا يرقى إلى مستوى القدس وهناك مغنون قدموا كلاما هابطا وسخيفا رغم أنه مكتوب للقدس وعن القدس، وهكذا هو الأمر في الشعر هناك شعري يرقى إلى مستوى القدس دون شك وهناك شعر يبقى على مزابل القدس وعلى أرصفتها. وكذلك الأمر بالنسبة للقضية الفلسطينية فليس كل ما كتب عن القضية الفلسطينية هو فن عظيم، هناك تفاهات كثيرة، وهناك شعر وإبداع أساء للقضية الفلسطينية، ولكننا مع ذلك لا نستطيع أن نمنع النوايا الطيبة. فقد تكون النوايا سليمة وطيبة ولكن الشعر يأتي ضعيفا فتخرج قصيدته ضعيفة أنا لا أقيم القصيدة بالنوايا ولا أقيم أيضا النوايا بالقصيدة نوايا طيبة وقصيدة رديئة. ولكن لا يمكن أن تكون قصيدة جيدة ونوايا رديئة لا يمكن، القصيدة الجيدة لا بد لها من نوايا جيدة.

* في كل مرة يخرج إلينا كاتب أو مثقف من مثقفينا فيصرح برأي أو يطلق موقفا يترك وراءه لغطا كثير وهذا ما ترك موقف أدونيس الأخير الذي صرح بان الحضارة العربية إنقرضت ولم يعد للعرب اليوم دورا فاعلا في المنظومة الفكرية الكونية فهل يدخل هذا التصريح في عقلية جلد الذات أم ان الواقع أسوأ من هذا التوصيف بكثير؟
- أدونيس أخي وصديقي، لكن أعتقد أن هناك كثير من الإعتباط في إطلاق موقف كهذا، اعتباط غير مرتكز على حقائق ثقافية وتاريخية راسخة لذلك يختلط هنا الغضب المبرر على الوضع العربي الراهن بفكر وبمنطلقات غير متأنية. الثقافة والحضارة العربية الإسلامية موجودة بقوة في الحضارة الغربية، وهذه الحضارة الغربية هي البنت الشرعية للحضارة العربية الإسلامية وأي كلام آخر هو من قبيل الهذيان والهراء، فهم امتداد لحضارتنا والسؤال هو كيف نتعامل نحن مع هذا الإمتداد. مركز الحضارة العربية كان مرة في بغداد ومرة في دمشق ومرة في القاهرة ومرة في القيروان وبطبعية الحال بحكم التطورات التاريخية انتقل هذا المركز شمالا إلى أوروبا ثم إلى الولايات المتحدة ثم إلى اليابان ربما أيضا، أنا ضد الإدعاء بصراع الحضارات لأنه لا يوجد صراع بين الحضارات وإنما هناك صراع بين الحضارة وبين الهمجية في الحضارة تجد أشخاصا من العرب والأوروبيين والروس والصينيين والأمركيين وفي الهمجية، تجد أشخاصا من هذه الأمم جميعا. فالصراع إذن هو بين الحضارة والهمجية ولا يوجد صراع بين الأديان لا يوجد صراع بين الإسلام والمسيحية واليهودية الصراع هو بين أفراد ومناهج اقتصادية. جورج بوش ليس مسيحيا وكنيسة جورج بوش هي بورصة نيويورك ومسبحه هو حسابه في البنك وحتى لو ذهب كل أحد إلى الكنيسة انا لا أصدقه لان المسيحية ترفض القتل والإجرام والمذابح والإحتلال أنا أعرف السيد المسيح جيدا فهو جاري وصديقي ومن بلدي. السيد المسيح بريء من عصابة القتلة في أمريكا وفي أوروبا وفي أي مكان في العالم. فالمسيح هو العربي، اليهودي، الفلسطيني، الشهيد صاحب دعوة "أحبوا مبغضيكم باركوا لا عنيكم" لذلك فهؤلاء المحافظون الجدد في أمريكا يقابلهم الجاهليون الجدد عندنا.
ولكن لنعد إلى تصريح أدونيس الآخير، فهو غاضب وغضبه مبرر وهو يرى ركاكة الحياة العربية وركاكة الواقع السياسي والفكري والإجتماعي والإقتصادي وكلنا نرى هذه الركاكة ومع ذلك أنا لا أعفي أدونيس من جزء من المسؤولية. انا لا أعفي المثقفين العرب الذين يعيشون في باريس أو لندن أو نيويورك وينظرون من بعيد ولا ينخرطون في الحياة اليومية لجماهيرهم. لذلك "بلاش شطارة علينا وما حدا يعملنا معلم ومنظر" لسنا بحاجة إلى معلمين ومنظرين نحن بحاجة إلى مثقفين ملتزمين واحرار وغير مرتهنين، لا لشركة فرنسية ولا لمؤسسة أمريكية نحن بحاجة إلى مثقفين احرار وشجعان وأصحاب عمق ثقافي ويبتعدون عن ثقافة " الفاست فود".

* ربما تأتي هذه التصريحات في إطار التنازلات المطلوبة من أي كاتب عربي طمعا في جائزة نوبل؟
- أنتم تعرفون والعالم يعرف أنه كان بإمكاني الحصول على نوبل بعد محفوظ مباشرة. ولكن لأنها كانت مشروطة فقد رفضت هذه الشروط وإذا كان هناك من يريد ان يقبل بهذه الشروط فمبروك عليه جائزة نوبل. وصراحة لا أريد أن أدخل في مماحكة ونقاش لا مع أدونيس ولا مع غيره، انا أجادل رؤية أو فكرة أو موقفا وأجادل الدونية التي يعيشها بعض المثقفين العرب تجاه الغرب وتجاه الآخر، وانا ضد هذه الدونية، الفرنسيون مثلا هم أقوى منا اقتصاديا وعسكريا ولكنهم ليس أرقى منا روحيا وحضاريا وهذا ينطبق على كل العالم الذي مهما ملك من قوة فهو لا يستطيع ان يكون أكثر مني ثقافة. لذلك فلا أشعر بالنقص تجاه الآخر.

* كأنك ضد عقلية جلد الذات؟
- أنا ضد هذا الوعي الرخوي وتحقير الذات، وصراحة أنا مع عملية الثورة العاقلة، الثورة التي تفكر وتخطط وتصمم وتوجه وتغير أنا مع قول الله تعالى:"لا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم" لذلك فنحن مطالبون بتغيير ما بأنفسنا.

* ونحن نتحدث عن المثقف والمثقفين، ما رأيك أستاذ سميح في حالة الإنسلاخ التي يعشيها المثقف العربي اليوم؟ وابتعاده عن قضايا الأمة الجوهرية؟
- للأسف هم لا يعرفون الأمة" ولا يفقهون معنى الثقافة هم أشباه شعراء وأشباه مفكرين وأشباه مبدعين، في اعتقادي انه حين يتحول المثقف إلى قن وعبد ومرتزق لدى مؤسسة أو سلطة أو حزب أو شركة أوحركة أو ملك أو رئيس، يفقد مبرر وجوده كمثقف. المثقف لا يستطيع إلا أن يكون متبوعا وحين يتحول إلى تابع فقد انتهى دوره. ومثلما نرى الإستشهادين بحزام المتفجرات الناسفة، نريد أن نرى مثقفا مستعدا للإستشهاد بحزام الثقافة الناسف.

* وعموما كيف ترى وتقيم الساحة الثقافية العربية؟
- بصراحة لا أريد أن أنظر على أحد ولكن بشكل عام انا لا أرى ساحة ثقافية عربية، إنما أرى خرابا، هناك أشخاصا يتضورون جوعا ثقافيا أرى موظفين وأتباع وأقنان ولا أرى حركة ثقافية عربية ترقى إلى حجم الوجع والعذاب العربي.

* المنفى والمرأة والحرية والموت والجرح والوطن والأم والحرية والطفولة والحب والحرب كلها مرادفات ومحركات للكتابة، فهل مازالت هذه المحركات والأدوات هي نفسها بالنسبة للشاعر سميح القاسم؟ أم اختلفت الأدوات والأغراض اليوم؟
- هناك أمور ثابتة وجوهرية في الحياة مثل: المرأة والوطن والشعب والحلم والحرية والغربة، وهي هواجس ومحركات مثلما ذكرت. ولكن دائما مع الإستعداد لكل طارئ. فلم نفكر قبل خمسين سنة في التغيررات البيئية وفي الاحتباس الحراري ولم نفكر في التصحر وارتفاع منسوب البحار وذوبان الجليد ولم نفكر بتسونامي وبسقوط نيازك مدمرة على الأرض. إذا دائما هناك هموم جديدة وهواجس جديدة ومواضيع شعرية جديدة.

* ولكن ما هو هاجس سميح القاسم اليوم تحديدا؟
- الهاجس الحالي والموضوع الأكثر إلحاحا هو وضع الشعب الفلسطيني فقد آن لهذا الفارس أن يترجل عن جواد الموت وآن لهذا الشعب أن يعيش حرا كريما في وطنه أسوة بكل شعوب الأرض، "بيكفي حروب...بيكفي مجازر...هلكونا....هلكونا...".

* لا ينكر أحد اليوم ما للصورة من أهمية في حياة الشعوب وما للتلفزيون من دور في شد إنتباه الناس، فهل أنت من أصدقاء هذا الجهاز العجيب وهل تشاهد بعض الأعمال الدرامية أو المنوعات؟
- للأسف الشديد انا لست من متتبعي مسلسلات رمضان ولا وقت لدي لمشاهدة التلفاز لانشغالي بأمور أخرى تبدو لي على الأقل أكثر أهمية. ولكن هناك بعض المسلسلات السابقة التي شاهدتها فأصبت بالإحباط الشديد مثل مسلسل أم كلثوم ومسلسل إسمهان ومسلسلات أخرى وكان مرد هذا الإحباط هو ان هذه المسلسلات صنعت بشكل سطحي وارتجالي جدا ومستويات فنية ضعيفة لدرجة السخف. ومسلسل أم كلثوم أساء إليها وكذلك مسلسل إسمهان ونزار قباني.

* وهل يهمك أن تتحول تجربتك ومسار حياتك إلى عمل درامي او سينمائي؟
- قط بعد رحيلي بعقود من الزمن، إذا كان بقائي ضروريا فلتصنع مسلسلات وأعمال سينمائية ولكن كما قلت بعد عقود من الزمن.

* هل قدمت برأيك الفضائيات العربية الإضافة المرجوة منها إلى الثقافة والإبداع العربي أم كرست حالة التخلف الموجودة؟
- التعميم مرفوض في مثل هذه المسائل، هناك فضائيات أضافت وحركت البركة الراكدة والاسنة في حياتنا واحدثت ثورة في الوعي العربي لكن هناك ايضا فضائيات تافهة ورخيصة وسخيفة تروج للغيبيات أو التنجيم والتبصير والخرافة. هناك ما هو إيجابي وما هو سلبي.

* ونحن نتحدث عن حوار الحضارات اليوم أو صراعها، هل ساهم الإبداع العربي والثقافة العربية في رسم صورة جيدة عن العرب لدى الآخر وهل كان قناة وصل وحوار بين الأنا والآخر أم لم يرتق إلى هذا الدور؟
- أعتقد أن ما ترجم من شعر وأدب عربي إلى لغات أخرى ساعد في توضيح صورة العرب لدى الغرب واستقبلت الأعمال المترجمة باحترام كبير في كل مكان، ولكن بصراحة حتى لو ترجم كل الشعر العربي ووزع في الولايات المتحدة فلن يستطيع الصمود أمام التفجيرات التي وقعت في 11 سبتمبر لأن شعور الإنسان بالقلق على حياته وعلى أمنه يظل أكثر خضورا من القصيدة ومن الوردة. لقد شوهت صورتنا ونحن نحاول اليوم ترميم هذه الصورة وتلميعها. وانا شخصيا في تنقلاتي في العالم أحاول بكل ما أوتيت من جهد وثقافة الدفاع عن هذه الصورة والدفاع عن نفسي وعن دمعتي وهناك آخرون طبعا ساهموا في توضيح هذه الصورة وإثبات اننا لسنا أمة إرهاب وعنف وحرب وإنما أمة حرية وسلام وإبداع وهذه حقيقتنا وجوهرنا. والسؤال هو في الصراع الداخلي العربي-عربي والإسلامي- إسلامي قبل أن يكون الصراع خارجيا.

* عفوا أستاذ سميح على المقاطعة ولكن ألا تعتقد أن هذه الصورة النمطية المكرسة عن العرب لدى الآخر مردها ضعف حركة الترجمة؟
- أنا لا أريد وضع اللوم دائما على الآخر، أنا لست مع من يدعي بنمطية هذه الصورة لدى الآخر الدور كله يعود لنا ونحن من أسهمنا في خلق هذه الصورة النمطية. كما أسهمت أمريكا في صورتها عندنا "الكابوي" النمطي هي أيضا أسهمت في تطوير صورتها عندنا ونحن أسهمنا في تشويه صورتنا عندهم، أنا أريد المثقف الجريء والشجاع الذي يقول الحقيقة كاملة، فليس صحيحا ان الغرب يستهدفنا فقط نحن نبرر تخلفنا وفشلنا الإقتصادي والسياسي والعسكري والإجتماعي والثقافي بدعوى أن هناك من يحاربنا.
الغرب يريد الإستفادة من آبار النفط العربية، الغرب لا يقوم بفرض رقابة على الأدب والشعر والثقافة. لا يجوز تعليق كل عيوبنا على مشاجب الغرب وإتهام الأخرين. أنا ضد هذه الثقافة وهذا البؤس الروحي والعقلي والفكري. الغرب يخدم نفسه ونحن نخدم الغرب. نحن لسنا مستقلين ولسنا أحرار لذلك آن الأوان إلى أن ننظر إلى انفسنا من داخلنا لا يجب ان نظل ندعي ونبرر ونخدع أنفسنا ونلوم يجب أن ننظر إلى عيوبنا هل فرض علينا الغرب ان نزوج بنتا عمرها 9 سنوات لشيخ عمره 80 سة في اليمن، هل فرض علينا الغرب ان نقمع النساء ونحبسهن في البيوت بدعوى الفضيلة والطهارة ونحن ابعد الناس عن الفضيلة وعن الطهارة. القمع لا ينتج فضيلة إنما ينتج عهرا وكفرا ورذيلة، نحن نقمع ونكرس القمع. هل منعنا الغرب من الإتحاد.

* هل هناك قصيدة أو فاصلة أو بيت شعري قرأته وتمنيت أن تكون كاتبه؟
- أرجو أن لا أتهم بالغرور، أنا لم تدهشني قصيدة إلى درجة أن أتمنى أني صاحبها. أنا أغار من شطر عند المتنبي يقول فيه "يا أمة ضحكت من جهلها الأمم" كنت أتمنى أن أكون صاحب هذا الشطر فقط هذا الشطر.

* هل يرسم الأستاذ سميح القاسم في شعره فلسطين الواقع أم فلسطين الحلم؟
- لا توجد فلسطين حلم مجتزئة عن الواقع، الحلم والواقع متداخلان في وطن مذبوح وشعب مذبوح وأنا أعيش هذا الوجع والألم يوميا وأعبر عنه بمفرداتي وقد يقال أحيانا ان هذه الصورة أو تلك سريالية ولكن هذا لا يعني القصيدة أولا والصورة أولا ولا يعنيني كلام النقاد. أنا كاتب لذاتي أولا وفلسطيني موجودة في ذاتي وأحاسيسي.

* تتمتع البيئة الفلسطينية بثراء مخيالها الشعبي وثرائها وهو ما انعكس إيجابا على الأغلبية والموال الفلسطيني. فلماذا لم تفكر في كتابة الأغنية باللهجة العامية وخوض هذه التجربة المختلفة؟
- مرة أخرى أقول قد يكون أول عمل فلسطيني كتب بالعامية في الستينات على ما أذكر هو من تأليفي وفي أوبيرات بعنوان "موسم زيتون" وقد كتبتها بالعامية ولحنت وعرضت بعدة أماكن وبعض أغانيها تغنى اليوم في الأعراس على أنها فلكلور وأنا لا أتبرأ من هذه التجربة أحبها ولكن في المبدأ أنا ضد اعتماد العامية للتعبير عن الذات. العامية تعني الإقليمية وكل لهجة تنتمي إلى البيئة الضيقة وأنا لا أنتمي إلى البيئة الضيقة أنا أنتمي إلى الوطن العربي الكبير. وطني ليس فلسطين وطني من المحيط إلى الخليج، وتستطيع أي دولة أن تمنع عني "الفيزا" ولكنها لا تستطيع ولا يستطيع أي شخص أن يلغي حقيقة أن هذا وطني ولا يستطيع أي جيش أو أي قوة في تونس أو في القاهرة أو في العراق، أن يحدد لي جغرافية مشاعري.

* ونحن نتحدث عن الأغنية والموال، كيف ينظر الأستاذ سميح القاسم إلى علاقة الشعر والقصائد بالموسيقى؟
- كنت أتمنى من الفنانين العرب اليوم، أن يفعلوا ولو قليلا مما فعله أباؤهم العظام مثل عبد الوهاب وفريد و اسمهان وأم كثلوم. هؤلاء الكبار غنوا الفصحى كما غنوا العامية. انصفوا الفصحى وجعلوها تنتشر أكثر والفصحى ليستم حاجزا بل هي بالعكس تعطي الملحن قوة اكثر على الإبداع.

* هل تعتقد أن القصائد قادرة على إخراج الاغنية العربية من حالة التردي التي تعيشها اليوم؟
- قطعا... قطعا دون شك... النص المخترم يساعد في ظهور الأغنية المحترمة، وليس كل ما يكتب بالعامية هو رديئ، هناك كلمات جميلة وراقية بالعامية ولكن ما يعنيني هو التواصل بين أبناءالأمة الواحدة. الفصحى هي التي تجمعنا جميعا، قصيدة الشابي إذا غناها مطرب عراقي ستكون عملا مدهشا توحيديا يجمع ولا يفرق، يوحد ولا يبدد ويساعد في خلق إنسان عربي جديد متصالح مع لهجته المحلية ويفتخر بلغته العربية التي ينبغي أن تكون العمود الفقري لوجودنا.

* هناك من يقول بأن القضية الفلسطينية إستطاعت ان تصنع شعراء كبارا ولم تصنع روائين كبارا فإلى أي مدى يعتبر هذا الرأي دقيقا؟
- لا فلسطين ولا الإنتفاضة صنعت شعراء كبارا الشعراء الكبار تصنعهم قصيدتهم وأنا ضدّ هثذا الإفتراء على القصيدة الفلسطينية هناك شعراء كبار لأنهم كبار والشابي كبير ليس لأنه تونسي بل لأن موهبته شعرية كبيرة. إذا حصر شاعر في خانة إقليمية مرفوضة بالنسبة لي : أنا لا أحب أن أقدم بصفتي شاعر فلسطيني. ولذلك من دون شك فلسطين موضوع جميل والإنتفاضة موضوع عظيم وإذا عبرت عن هذه القضية بشعر جميل فأنت كبير وإذا كاثن شرك رديئا فأنت لا تملك موهبة شعرية حتى إذا كتبت عن الإنتفاضة. هناك قضايا عادلة يكتب عنها أشياء ركيكة ولكن لا توجد قضية ركيكة تكتب عنها أشياء عظيمة، الشعر العظيم بحاجة إلى قضية عظيمة.

* بعد تفكك الإتحاد السوفياتي السابق وإضمحلال مبادئ الإشتراكية أظهرت الأزمة الإقتصادية الأخيرة هشاشة النظام الرأسمالي الغربي بزعامة أمريكا فما هو الحل برأيك وكيف الخلاص في هذا العالم الذي تحكمه المادة؟
- ببساطة انهيار الإتحاد السوفياتي لا يعني أن أمريكا على حق فهذا الانهيار كان لأسباب ذاتية سوء إدارة، نظرية الحزب الواحد القمع، الإستبداد الذي أدى إلى الإنهيار وهذا لا يعني أن فكرة الإشتراكية والعدالة الإجتماعية هي فكرة باطلبة، الفكرة صحيحة بما تمثله من عدالة اجتماعية والمساواة بين البشر واحترام حقوق الإنسان وإرادته، إذن فسقوط هذا النظام لا يعني أن أمريكا على حق واليوم أنظر بعد العدوان على العراق وأفغانسان هناك 83 بنكا في أمريكا أفلس والإقتصاد الأمريكي في انهيار والرأسمالية المتوحشة لا تستطيع أن تحمي نفسها وهي توحشت وتغولت على شعوبها. الشعب الأمريكي يدفع ثمن جنون جورج بوش وباقي عصابة المحافظين الجدد، شعوب أوروبا تدفع الثمن ونحن ندفع الثمن أيضا بحنون الحرب والعدوان والإغتصاب والعنصرية، لذلك فالعالم بحاجة إلى خلاص والرأسمالية لم تجلب الخلاص بل جلبت الويلات، الشيوعية على النسق السوفياتي لم تجلب الخلاص لذلك انهارت لكن يبقى الإنساني الحقيقي. أنا أريد العدالة الإجتماعية لكل البشر. وأريد إسقاط الرأسمالية المتوحشة وإسقاط العنصرية. أنا أريد أخوة الشعوب على قاعدة التعاون والحل هو في التعاون والتسامح بين شعوب العالم.

المصدر: العرب أونلاين - عبد المجيد دقنيش

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على سميح القاسم: كل ما في حياتنا يستدعى للأسف (1)

دلال‏20 ‏ديسمبر, ‏2013

السلام عليكم جزاكم الله خيرا اريد مساعدة في الحصول على ديوان سميح القاسم انا متاسف اريد ان ادرسه في مذكرة تخرجي ان شاء الله وشكرا

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
84126

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

خلال 30 أيام
خلال 7 أيام
اليوم