آخر الأخباراخبار الفن والثقافة › الغزالى يندد بالحاكم الذى يصل إلى منصبه فوق تل من جماجم خصومه

صورة الخبر: الغزالى يندد بالحاكم الذى يصل إلى منصبه فوق تل من جماجم خصومه
الغزالى يندد بالحاكم الذى يصل إلى منصبه فوق تل من جماجم خصومه

«إن الفرعنة مرفوضة قبل تولى المناصب أو بعد ذلك، ومن عجائب العالم الإسلامى وحده أن الحكم من طرق الثراء، وقد أطلت التفكير طويلا عندما قرأت أن الإسرائيليين أهدوا رئيستهم جولدا مائير مطبخا لمناسبة اعتزالها الحكم بعد سنين طويلة.. مطبخ؟

إنه هدية سارة لديها، فقد تكون محتاجة إليه! أما بالنسبة لبعض موظفينا فهدية محقورة، فكيف إذا كان المطبخ هدية للرؤساء والملوك؟».

حديث الشيخ الراحل محمد الغزالى عن «الفرعنة» وتساؤلاته المختلطة بالدهشة ربما تجد لها حيّزا كبيرا فى الأحاديث الدائرة اليوم عن «الثروات المنهوبة» التى كشفت عنها النقاب ثورة 25 يناير، ثروات مكتنزة داخل أدراج وحسابات الرئيس المخلوع مبارك وأفراد نظامه، وهو الأمر الذى هال شعبهم وباتوا محاصرين فى زخم أرقام بالمليارات وأصول عقارية مذهلة لم تكن لتتراكم إلا من باب استغلال السلطة والحكم، وهو من أبواب «العجائب» كما وصفه الغزالى فى كتابه «الطريق من هنا» الذى صدر عن دار «الشروق» فى أكثر من طبعة.

قضية تخلف مخجلة

الاطلاع على المقدمة التى صاغها محمد الغزالى يكاد يجعلك تبصر ملامح هذا الرجل وهو يكتبها على الورق، مقدمة محملة بالكثير من النقد والاستهجان لحال كل من أوصل العالم الإسلامى إلى ما هو عليه، استخدم واصفا هذا الحال كثيراً من المفردات اللاذعة معتبرا أننا فى مرحلة «انحدار»، ونواجه قضية تخلف «مخجلة»، وحدد مهمته فى هذا الكتاب لكيلا يكون مجرد كلمات سائغة «ليس العمل المطلوب مضغ كلمات فارغة، أو مجادلات فقهية، أو خصومات تاريخية إن العمل المطلوب أسمى من ذلك وأجدى (..) ليس من الإسلام أن أضع قدما على أخرى ثم أرتقب جن سليمان أن تضع بين يدى مقاليد الحكم».

حمّل الغزالى عددا كبيرا من الدعاة مسئولية كبيرة فى هذا الاضمحلال الذى يواجهه العالم الإسلامى مشبها الكثير منهم بـ«الطبيب الذى جاءه مصابا فى رأسه فصنع له جبيرة على قدمه»!، منتقدا الاتجاه لما وصفه بـ«الجهاد الطائش» والانسياق فى «مشاكل وقضايا تثير الغثيان» مثل السؤال عما إذا كان الأكل على المائدة حرام؟ أو أن ارتداء البدلة الفرنجية تشبُه بالكفار؟!، وغيرها من السياقات المدهشة التى أحزنت الغزالى كثيرا، وقال فى حديث محدد «كانت الدعوة إلى الجهاد، وإقامة حكم إسلامى غامضة، لا تدرى شيئا عن حقوق الشعوب ولا ضمانات الحرية ولا قيام أحزاب ولا حرية انتخابات».

عدالة سياسية واجتماعية
من المعروف أن آراء الغزالى تلك أثارت الكثير من المتشددين ضده رغم أن الرجل كان ينادى بتفعيل عناصر العدل السياسى والاجتماعى باعتبارها من صميم الأعمال الصالحة، معتبرا أن قضاء شخص عمره بجوار الكعبة زاهدا عما يتطلبه مستقبل الإسلام من جهاد علمى واقتصادى وعسكرى، ما أغناه ذلك شيئا عند الله «إن بناء المصانع يعدل بناء المساجد! فحراسة الحق كتعليمه»، فيما كان جهاده على من سلكوا طرائق زاهدة «فمنهم من تخصص فى محاربة الفقه المذهبى فى الوضوء والصلاة، ومنهم من جدد الحرب على الجهمية والأشاعرة، ومنهم من زهد عن أصول الحكم وقواعد السياسة الراشدة وتخصص فى طلب بعض الأحكام الفرعية، ومنهم من عاد إلى التصوف غارقا فى وحدة الوجود، ومنهم ومنهم..».

يوجه كلمة فى سياق متصل آخر «أريد أن أقول للزاهدين عن علوم الحياة إنكم تفقدون الإسلام الحياة بهذا الفكر السقيم، وتعجزونه عن مقاومة أعداء يبغون له الويل»، ويرجع المؤلف هذا العجز إلى أسباب نفسية وفنية وصناعية ويعود ليقول «غير أن الأسباب النفسية عند العرب أظهر وأقوى»، ويشن هجوما على الساسة العرب الذين وجد أنهم وراء كل نصر أحرزه بنو إسرائيل خلال 40 سنة «وأى فرصة أغلى من أن يكون القائد العربى صريع مخدرات ومسكرات، وأن يكون الزعيم العربى قد وصل إلى منصبه فوق تل من جماجم خصومه، ورفات بنى جنسه المدحورين أمامه».

الإرادة الشعبية وتزوير الانتخابات

تستحضر فى «الطريق من هنا»، الذى يقع فى 135 صفحة، حديثا ذا شجون عن حال الانتخابات فى بلادنا التى استنزفها التزوير وشراء الأصوات وغيرها من المشاهد العبثية التى أبدع النظام السابق فى طرق تشويهها على مرأى ومسمع من العالم، يقول الغزالى فى ذلك «إننى أتأذى عندما تزوّر الانتخابات فى بلد ما، لا لأن نفرا من الشطار سوف يسرقون مناصب لا يستحقونها ـ وهذا وحده جريمة ـ بل مصدر الأذى فى مرور الأذى مرور الكذب فى هدوء، واستقرار شهادة الزور دون اكتراث، ويألف الكبار والصغار أن تطمس الحقيقة دون نكير، وأمة تحيى بهذه الخلائق جديرة بالموت..!».

يتحدث عن ازدواجية الحاكم فى بلادنا الذى يستطيع حسبما ورد فى الكتاب «أن يُنتخب هو وحده لا غير، عشر مرات أو أكثر مادام حيا، ويقول هذا الحاكم للمتدينين هذه هى الشورى التى تنادون بها، ويقول للناس من وراء الحدود، أنا وليد انتخابات حرة، وإرادة شعبية» ويستطرد «والأرض والسماء يعلمان أن هذا كذب وزور».

جحود العقل

«أكره أن أدافع بالباطل عن
قومى! إن قومى خذلوا دينهم، وناموا عن مطالبه، وغلبتهم شهوات نفسية وبدنية وغفلات عقلية واجتماعية، فحقت عليهم كلمة الله، ودفعوا ثمنا غاليا لانسحابهم من ميادين الحياة الصحيحة» هذه النبرة سادت تقريبا كتاب الغزالى، وراح يرثى أديبا فرنسيا كبيرا وهو «فيكتور هيجو» معتبرا أنه كان أقرب إلى الله من كثيرين لأنه آمن بعقله وأبى أن يشهد قس ساعاته الأخيرة قبل موته ليغفر له ـ حسب الشعائر الدينية عندهم ـ قائلا «لا حاجة لى بك،إننى أؤمن بالله وقد تصدقت بمالى»، ترى الغزالى يروى هذه السطور ويذيلها بقوله «لقد هزمتنى هذه القصة»، مؤكدا أن العقل هو الطريق المؤكد للإيمان «من جحد عقله وسفه نفسه فلا عذر له!» معتبرا أن نتيجة هذا الجحود كان باهظا على بلاد العالم الإسلامى» كان هذا الثمن غزوا عسكريا وثقافيا واجتماعيا (..) وكان أن ماجت بلاد الإسلام فى فوضى لا ينقشع لها غيم إلا حل محله غيم أشد سوادا وأملأ بالشرور».

بميزان دقيق توقف الغزالى عند قضية الانقلابات والثورات بحجة خدمة الإسلام واعتبر أن هذه الفكرة راودت أناسا لهم إخلاص وليست لهم تجربة، ولكن هذه المحاولات لم تنجح منذ سنين طويلة، «ورأيى أنها لو نجحت فإلى حين ثم يبدأ الجهاد لتنظيف الشعوب من أقذائها، وإحداث تغيير جذرى فى أخلاقها وعاداتها! أى أننا سنرجع إلى الإصلاح الشعبى عن طريق الشعب نفسه لا عن طريق الأوامر الرسمية» حسبما يرى مؤلف الكتاب.

المصدر: منى أبوالنصر - الشروق

قد يعجبك أيضا...

أضف هذا الخبر إلى موقعك:

إنسخ الكود في الأعلى ثم ألصقه على صفتحك أو مدونتك أو موقعك

التعليقات على الغزالى يندد بالحاكم الذى يصل إلى منصبه فوق تل من جماجم خصومه

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا الخبر الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
64456

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

خلال 30 أيام
خلال 7 أيام
اليوم