|

مقالاتملفات وقضايا المجتمع › درس تركي للدبلوماسية الإسرائيلية

درس تركي للدبلوماسية الإسرائيلية

درس تركي لإسرائيل والعرب

بقلم : أ. ثابت العمور .. "سيدي المبجل بودي أن اعبر أمامك عن الاحترام الذي أكنه لك بشكل شخصي وللشعب التركي بأسره وان أعدك بأنه رغم الخلافات بيننا في عدة مواضيع، ينبغي البحث فيها وحلها فقط عبر القنوات الدبلوماسية المفتوحة، المتبادلة والمحترمة بين حكومتينا. لم تكن لدي نية لاهانتك بشكل شخصي، وانا اعتذر على الشكل الذي تمت فيها الخطوة وكيف نظر اليها. رجائي انقل هذه الرسالة إلى الشعب التركي الذي نكن له احتراما كبيرا".

 

هذا هو نص الاعتذار الذي قدمه داني ايالون نائب وزير الخارجية الإسرائيلي، لسعادة السفير التركي السيد احمت أوغوز تشيلكول، وأسباب الاعتذار وحيثيات الاهانة معروفة ومعلومة وقد تعمد ايالون توثيقها أمام الصحفيين، وهذه ليست المرة الأولى التي تثير فيها الخارجية الإسرائيلية أزمات وتوترات لا سيما بعدما بات ليبرمان وزيرا للخارجية وايالون نائب الوزير، ولكنها المرة الأولى التي تعتذر فيها إسرائيل صاغرة ومرغمة وتقدم اعتذار كتابي في اقل من 48 ساعة، إسرائيل بهذا الاعتذار الذي تدخل فيه شيمون بيرز شخصيا تكون قد تلقت الضربة القاضية والحاسمة من تركيا، وهي منذ تلك اللحظة ستحسب حساباتها في التعامل والتعاطي مع الشأن التركي بمزيد من الأدب والاحترام والدبلوماسية لأنها لم تتلقى طوال تاريخها ضربة بهذا الشكل، والضربة هنا ليست صناعة تركيا أو سلوك تركي ولكنها رد على فعل متعجرف يعكس العنجهية واليمنية والفوقية التي تتعامل بها إسرائيل مع العالم ومع المجتمع الدولي.

 

حادثة الاهانة تلاها اعتذار فقدمت نموذجا فاعلا جديدا وجديا في كيفية التعامل والتعاطي مع هذا الكيان الذي يعبث بالأعراف والتقاليد الدبلوماسية والإنسانية والقانونية، ايالون قال في اعتذاره للسفير التركي بأنه لم يكن لديه نية لأهانته وهذا صحيح لأن نية ايالون كانت تتعدى مجرد الاهانة والإذلال كان يهدف لمعرفة وقياس الكرامة التركية ولو مر الأمر بشكل طبيعي ولم تثار الأزمة لبالغ ايالون وكيانه ولتعدى الأمر الاهانة ليصبح املاءات وشروط وفروض، وهو ما تفعله إسرائيل وتجربه مع كافة دول المنطقة تطلق النار على جندي ثم ترسل موسادها لاغتيال قيادي ثم تفجير سيارة ويتطور الأمر لقصف جوي يليه اجتياح ثم احتلال وهكذا، وهذا عين ما كان يستهدفه ايالون مع السفير التركي الذي يمثل تركيا قيادة وحكومة وشعب وبالتالي لو مرت اهانة السفير مرور الكرام من يدري ماذا ستفعل إسرائيل بعد ذلك مع السفير وبلاده.

 

في السياسة الدولية مبدأ معروف جدا وقديم قدم السياسة والساسة هو المعاملة بالمثل أي من حق أي دولة أن ترد على سلوك دولة أخرى بالمثل ،وهذا يعني أنه بإمكان تركيا أن تستدعي السفير الإسرائيلي وتعامله بالمثل لكن سلوك الكبار والعافين عند المقدرة ولأنه لا يليق بها فعل ذلك ولأن السفير الإسرائيلي أقل من أن يعامل بالمثل حتى وإن كانت إهانة لم تقدم تركيا على الرد بذات الطريقة وتستخدم هذا المبدأ، لكنها ردت الاعتبار لسفيرها ولتمثيلها بإرغام إسرائيل صاغرة على الاعتذار الكتابي، وردت الصفعة عندما رفض الرئيس التركي ورئيس وزرائه استقبال ايهود باراك.

 

إسرائيل لم تتعود ولا تفهم المعاملة بالمثل فالسفير الإسرائيلي في أحد العواصم العربية المزدحمة أثار أزمة مرورية خانقة لأنه أمر بتغيير مواسير المياه وقنوات الصرف الصحي، فهل وجوده في هذه العاصمة هو من أجل أن يخلق أزمة ويخنق الناس، وفي عاصمة أخرى يتعرض السفير الإسرائيلي لمحاولة اغتيال فتنتقل أجهزة الأمن الإسرائيلية – موساد واستخبارات وشين بيت- إلى هذه العاصمة من أجل التأكد من إجراءات السلامة وحماية السفارة، ثم تعبث في أمن البلاد وأرواح العباد بالتحقيق معهم أو مراقبة التحقيقات أو الإشراف عليها، ألا تعني هذه وتلك إهانة لماذا تقيم وتفتتح سفارتها اذا كانت لا تثق باجراءات الأمن والحماية والسلامة، ولماذا لا يقبل سفيرها بما يقبل به الناس من مواسير مياة وقنوات صرف صحي هل جاءوا ليستجموا في عواصمنا ويشربوا الماء النقي ويتمتعوا بالامن والحماية.

 

إسرائيل باتت في العد التنازلي أخلاقيا وإنسانيا وقضائيا ودبلوماسيا، قادتها في الداخل ملاحقين للفساد والتحرش والاختلاس والابتزاز، وعالميا مطلوبين قضائيا على جرائم حرب ضد البشرية والإنسانية، هم أمام أنفسهم باتوا صغار لا تكاد تركيا تراهم بالعين المجردة، ولكن العرب أخذوا ينفخون فيها حتى بدت لهم أكبر من حجمها، وفي الوقت الذي تحاصر فيه السياسة الخارجية الإسرائيلية دوليا وعالميا وتضيف عليها المساحات الممكنة والمتاحة يرحب بها عربيا وتسجل نجاحات واختراقات على المستوى الإقليمي العربي غير مسبوق. حتى المناطق التي كانت محرمة على إسرائيل بات اليوم يرفع فيها العلم الإسرائيلي ويرحب بالمتطرفين والمتطفلين من قادتها.

 

تركيا لم تفجر قنبلة ولم تلوح بصاروخ ولم تجعجع وتبعبع بأنها ستزيل إسرائيل من على الخارطة أو ترمي بها في البحر، لكنها بهدوء وبتوازن وبحكمة قلما تجدها في عالمنا العربي ردت الاعتبار وقدمت درسا كاملا شاملا لكيفية وآلية التعاطي والتعامل مع سياسات وسلوكيات هذا الكيان الصهيوني نتمنى أن يتعلم عربنا الدرس التركي ويقلدوه لا أن يستمروا ويسطروا لنا دروسا ومواعظ فيها من الإذلال والإهانة والخذلان والتراجع ما قد يخزى التاريخ عن ذكرها والإتيان عليها، فلا تدعوا التاريخ يتوقف عند تركيا وألحقوا بالركب وبالتاريخ لا تدعوه يفوتكم فالزمن لن يعود.

Thabet_press@hotmail.com

الكاتب: ثابت العمور

التعليقات على درس تركي للدبلوماسية الإسرائيلية

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا المقال الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
54007

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

المقالات الأكثر قراءة
مقالات جديدة
Most Popular Tags