|

مقالاترؤية ورصد للأحداث › أجندة لما بعد 30 يونيو

أجندة لما بعد 30 يونيو

الشعوب الحية تتعلم من خبراتها التاريخية. وفى ذاكرتنا بالأمس القريب جداً، وتحديداً ثورة 25 يناير 2011، أدت مثالية شباب التحرير إلى اختطاف ثورتهم منهم. وتُعتبر حركة تمرد، وانتفاضة 30 يونيو 2013 محاولة لاسترداد الثورة، وتصحيح المسيرة، والتقدم بها نحو بقية أهدافها الأربعة: عيش، حُرية كرامة إنسانية، عدالة اجتماعية.

نعم، تحقق هدف واحد، وهو «الحُرية». فقد انكسر جدار الخوف عند المصريين، لأول مرة بعد ستة آلاف سنة من تاريخهم المُسجل ـ أى منذ توحيد أقاليم مصر المتفرقة فى دولة واحدة بواسطة الملك ميناـ الذى أحبّه أنصاره إلى درجة أن عبدوه، فأصبح «الملك الإله» (God King). وتوارث المصريون، جيلاً بعد جيل، هذه الثُلاثية العجيبة من المشاعر نحو حُكامهم: الخوف، التقديس، الطاعة. ولكن ضلعين من هذا المثلث قد انكسرا، هما الخوف والتقديس.

وآية ذلك أن كل مُحافظة، أو مدينة، أو جهة، أو حتى قرية، تؤكد ذاتها المُنفردة والمُتفردة، وبشكل يصل أحياناً إلى درجة المُغالاة، كأن يرفض الترحيب برئيس الجمهورية (وهو المُعادل الوظيفى للفرعون، أو الملك الإله) على أرضها. بل وصل الأمر مؤخراً (يونيو 2013) إلى قيام المواطنين بمنع المُحافظين الذين عيّنهم الرئيس محمد مرسى من خارج مُحافظاتهم من دخول أراضى تلك المُحافظات، وفى الحالات التى كان المُعينون من أبناء المُحافظة، فقد منعهم المواطنون من دخول دواوين مُحافظاتهم. أى أن حالة التمرد على السُلطة قد تنوعت بتجلياتها. فهى لم تقتصر على الحملة الشبابية الناجحة التى جمّعت خمسة عشر مليون توقيع، ولكنها أصبحت روحاً عامة رافضة لحُكم الإخوان المسلمين، الذين يُمثلهم د. محمد مُرسى.

ومن المُقدر أن حالة الرفض العامة هذه، ستصل إلى إحدى ذراها فى مُظاهرات الأحد 30 يونيو. ولكن السؤال هو: ماذا بعد الحشد والتظاهر فى ذلك اليوم؟

لقد كان شباب مصر من الثوار الأطهار مُستعدين للانتفاض يوم 25 يناير 2011. ونجحوا فى إسقاط «الرئيس الفرعون»، لأول مرة فى ستة آلاف سنة. وقد فعلوا ذلك سِلمياً، دون إراقة دماء، أو تدمير أى مُمتلكات عامة. لذلك انبهر بهم العالم شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً.

ولكن تم اختطاف تلك الثورة المُبهرة، بواسطة من التحقوا بها مُتأخرين عدة أيام، وهم الإخوان المسلمون، وحُلفاؤهم ممن كانوا ضد الثورة إلى يوم 11 فبراير 2011، وهم السلفيون. وكانت سهولة الاختطاف لأن الثوار الأطهار كانوا عازفين عن احتلال مواقع السُلطة. وتُعتبر حركة تمرد بمثابة عودة الوعى إلى شبابنا من الثوار الأطهار، ويُعتبر الأحد 30 يونيو ساعة الصفر نحو مسيرة استرداد الثورة، والسُلطة، والدولة، والوطن من المختطفين، وهى ستكون مسيرة طويلة، أشبه بحرب الاستنزاف. فقد نجح الإخوان المُختطفون فى معركتين: هما اختطاف الثورة، واختطاف السُلطة. فبعد ركوب موجة الثورة، وبعد أن أيقنوا أن الجيش المصرى هو حامى سُلطة الدولة المصرية المدنية، بدأت حملتهم الخبيثة، لإزاحة تلك العقبة، بشعار «يسقط يسقط حُكم العسكر!». وابتلع شباب الثورة الأطهار ذلك «الطُعم»، وبدأوا يُرددونه مع الإخوان. وكانت المعارك التالية كلها على هذا النهج فى الانتخابات أولاً، والدستور ثانياً. واجتاحوا هم الانتخابات التى لم يكن مُستعداً لها أى من القوى السياسية الأخرى، ثم اختاروا جمعية تأسيسية على مقاسهم ـ ستون فى المائة منهم، وخمس عشرة فى المائة من حُلفائهم السلفليين- وهو ما مكنهم من السُلطة (التشريعية والتنفيذية).

المهم لموضوعنا هو أن نُدرك أن محمد مرسى لن يسقط يوم الأحد 30 يونيو، كما لم يسقط حسنى مُبارك يوم 25 يناير. لقد كان بقاء الثوار فى ميادين مصر ثمانية عشر يوماً متواصلة، وبعد أن أيقن مُبارك أن جيش مصر لن يفتح النار على شعب مصر، أذعن، وتنحى، حتى يُجنب مصر أهوال حرب أهلية. ولا بد أن نذكر لحسنى مبارك هذه الخطوة المسؤولة.

فهل يكون محمد مرسى على هذا المستوى من العقلانية وروح المسؤولية، أم هو صوت سيده، بمكتب الإرشاد، الذى خطط وانتظر ثمانين عاماً، لاقتناص السُلطة فى مصر، تمهيداً لتنفيذ مُخطط «دولة الخِلافة»، ثم أستاذية العالم؟

لا بد أن يكون لدى حركة تمرد، ولدى جبهة الإنقاذ، ولدى الحركة الوطنية المصرية، خطة أو خطط بديلة لما بعد النجاح فى 30 يونيو. إن ذلك هو القطرة الأولى فى الغيث المُرتقب، وإن انتخابات رئاسية مُبكرة هى القطرة الثانية. وقد لاحظنا أن محمد مرسى فى حديثه أمام أهله وعشيرته ليلة الخميس 26 يونيو لم يطرح هذا البديل، لامتصاص الاحتقان الشعبى المُتصاعد. فهو والجماعة يعتقدون أنهم يستطيعون امتصاص ذلك الاحتقان بمجموعة من الرشاوى العامة لموظفى الدولة، أو بتعيين مائة من شباب الثورة مساعدين للوزراء والمُحافظين. ولن نندهش، حتى هنا وحتى إذا ما حدث، أن يكون هؤلاء الشباب من الإخوان المسلمين.

لذلك، فالمطلوب من تمرد وجبهة الإنقاذ وغيرهما من الحركات الرافضة أن تكون مستعدة بطاقم كامل مُتكامل لإدارة شؤون الدولة والمجتمع. وقد تكون مؤسسات القضاء، والجامعة، والجيش، وعضو من كل الأحزاب الرئيسية، هم خميرة البداية، لمرحلة انتقالية، لا تتجاوز سنة، يتم إعداد البلاد فيها لانتخابات عامة رئاسية ونيابية، وتحت إشراف قضائى كامل محلياً، وإشراف دولى مُشترك من الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدنى.

وعلى الله قصد السبيل.

semibrahim@gmail.com

الكاتب: سعد الدين ابراهيم

التعليقات على أجندة لما بعد 30 يونيو

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا المقال الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
38188

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

المقالات الأكثر قراءة
مقالات جديدة
Most Popular Tags