|

مقالاتمقالات تخصصية › حتى لا ندخل متاهة التحول من الدعم العينى الى الدعم النقدى

حتى لا ندخل متاهة التحول من الدعم العينى الى الدعم النقدى

بقلم د/ محمد حجازي شريف ... حتى لا ندخل في متاهة التحول من (الدعم العيني) إلى (الدعم النقدي)

* كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن رغبة الحكومة المصرية في التحول من نظام ( الدعم العيني) إلى نظام ( الدعم النقدي) أسوة بدول أخرى سبقتنا في هذا المجال كالبرازيل والمكسيك.....

إن الدعم العيني أو السلعي يتمثل في مساهمة الحكومة في تغطية جزءا من الثمن الحقيقي لبعض السلع الضرورية,كي تحصل عليها الأسر المحتاجة بسعر يتناسب وأحوالهم المادية ... وفي هذا الشأن تؤكد الحكومة المصرية أن نحو 30% من الدعم العيني يذهب لعائلات وأفراد لا تستحق هذا الدعم.

والمشكلة أن حصر هذه العائلات غير متوفر وغير متاح كقاعدة للبيانات. والأمر يحتاج إلى عدة سنوات حتى نتعرف على العائلات المستحقة للدعم عددا ومكانا ... ويبقى السؤال: هل إعطاء( الدعم النقدي ) يكون لكل من يطلبه .... وهل هذا يضمن وصول الدعم لمن يستحقه فعلا !؟ ولا يتسرب لغيره ممن لا يستحقه!

* إننا بدخولنا في دوامة (الدعم العيني) أم (الدعم النقدي) تركنا الأصل وذهبنا نجادل في الفرع, إن الأصل هو (قضية الفقر) والتي حار في التغلب عليها خمس حكومات متعاقبة منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي إلي منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة. وهكذا سيظل أمل القضاء على الفقر, ومحاولة التقليل من حدة الفقر ومكافحة الجوع هدفا يحدد السير في طريق نجاح حكومة وفشل غيرها.

إن هم الحكومة في الوقت الحالي هو كيف تتخلص من (عبء الدعم) ...حيث كثر الحديث عن تحويل الدعم السلعي إلي دعم نقدي... ويدلل البعض منهم على ذلك بتجربة بعض الدول في هذا الشأن مثل( المكسيك) و( البرازيل).

لقد كانت البرازيل من أكبر ثمان دول من حيث المبالغ المرصودة للدعم العيني واستطاعت الآن أن تتحول للدعم النقدي والذي قل بكثير عن حجم الدعم العيني. كما نجحت المكسيك في التحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي عبر ثمان سنوات.
* في مصر يختلف الأمر. . والأمر يتمثل في أننا نوضع في متاهة اسمها التحول من( الدعم العيني) إلي(الدعم النقدي)، فحقيقة الأمر أن الدعم العيني الذي يتكلمون عنه أصبح الآن وهم كبير, فرغيف الخبز(ماركة الخمس قروش) لن يعد له وجود وطوابير العيش خير دليل على ذلك, وأصبح رغيف الخبز الذي لا يزيد في شكلة أو وزنة عن رغيف الخمس قروش ثمنه خمسة وعشرون قرشا مع بداية يناير 2008م أي زاد ثمن الرغيف خمسة أضعاف مما يعنى : أن معدل التضخم الذي يتكلمون عنه قد أصبح 250% لرغيف الخبز لشعب فقير يمثل رغيف الخبز عماد مأكله ,حتى أن جريدة الواشنطن بوست الأمريكية تقول (أن الشعب المصري هو الوحيد في العالم الذي يسمى الخبز بالعيش)....!!!!!!!

إنهم يتحدثون عن مبلغ( الدعم الآن )- ضمن موازنة العام المالي الحالي( 2008-2009) - والبالغ 134 مليار جنية (إجمالي مخصصات الدعم)، تبلغ مخصصات دعم السلع التموينية21.5 مليار جنية: في حين تبلغ مخصصات دعم المنتجات البترولية 62.7 مليار جنية . وقد ذكر الدكتور/ يوسف بطرس غالي وزير المالية أن مخصصات دعم السلع التموينية قد زادت بنسبة 115% بالمقارنة بموازنة العام المنصرف بهدف الحفاظ على دعم الخبز وتغطية الزيادة في عدد المستفيدين بنظام البطاقات التموينية, كما أشار إلي أن العام الحالي(2008-2009) هو عام البعد الاجتماعي والحرص على ميزانية البيت المصري. وقد أكد أيضا على تخصيص نحو 215 مليار جنية من إجمالي أضخم موازنة عامة في تاريخ مصر والتي تبلغ 379مليار جنية – لتحسين أحوال المعيشة في مصر .

* ونحن بدورنا نقول أنه لزاما على الحكومة أن تبذل قصارى جهدها للنهوض بالمجتمع اقتصاديا وعلميا وتكنولوجيا .... كما يتعين عليها وضع الاستراتيجيات المتكاملة, والاعتماد على إجراءات وآليات تنفيذ تؤدي إلي :

1- تخفيض حدة الفقر ووطأتة على الفقراء.

2- تحسين أحوالهم المعيشية.

إن الجهود الحكومية (الحالية) تتجه لمجال العدالة الاجتماعية والضمان الاجتماعي ... وهو توجه طيب ... ولهذا نؤكد على تبنى الحكومة لقضيتين في هذا الشأن وهما:

1- قضية سوء توزيع الدخل.

2- قضية تزايد معدلات الفقر.

ونحن نرى أن الأولوية يجب أن تعطى لقضية مكافحة الفقر.

* إن تقرير التنمية البشرية الصادر عام 2008م قد حذر من تزايد معدلات الفقر في مصر بعد أن وصل عدد المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر إلي 5 مليون مواطن.

وقد أوضح التقرير أن الفقر يتركز في المناطق الريفية خاصة ريف صعيد مصر الذي يمثل 25% من مساحة مصر, ويتمركز فيه أكثر من 56% من إجمالي عدد السكان البالغ 77 مليون نسمة بحسب الإحصاءات الرسمية.

وقد أشار التقرير إلي أن هناك 1000 قرية يعيش بها 5 مليون مواطن تحت خط الفقر, أي ما يعادل 37% من إجمالي عدد الفقراء في مصر والبالغ مجموعهم 16.3مليون شخص .. ووفقا للتقرير فان الفقراء الذين يعيشون تحت خط الفقر هم الذين يحصلون على دخل قدرة (دولار واحد يوميا) ولقد انتهى التقرير إلى أن 19.6% من إجمالي عدد سكان مصر دون خط الفقر.

إن تزايد الفقراء وتزايد معدل البطالة في مصر يرجعها البعض لغياب الضمان الاجتماعي والأخذ بأساليب الاقتصاد الحر وغياب التخطيط وتعثر عجلة التنمية.

إن حوالي 13 مليون فرد يسكنون الآن المناطق العشوائية والتي تزايد عددها بشك مزعج, وتزايد معها معدلات البطالة والجهل والأمية والجريمة والسرقات والاغتصاب وتجاره المخدرات .. فهل يستطيع هؤلاء أن يتقدموا بطلبات (الدعم النقدي المزعوم)...!!!!

* هذا الأمر يجرنا إلي( المعضلة) التي تتمثل في أنه رغم تحقيق بعض معدلات التنمية المرتفعة نسبيا, فان معدل الفقر يزيد في بلادنا والسبب كما هو واضح سوء توزيع الدخل القومي وعدم عدالته.

إننا يجب أن نتذكر دائما أن الفقراء لا يجدون احتياجاتهم الأساسية ,ولايمكن الانتظار علي هذا الوضع حتى تأتي الحكومة المنتظرة لتحل المعضلة, فلابد أن يجد هؤلاء الفقراء وهم في تزايد يوما بعد يوم – الحد الأدنى من احتياجاتهم الضرورية من المأكل – الملبس والتعليم والصحة والضمان الاجتماعي .

إن البنك الدولي وهو جهة تأتمر الحكومات عندنا بأوامره وتعليماته قد وضع تعريف للفقر بأنه" الجوع ونقص المأكل، ونقص الحماية الصحية والاجتماعية وزيادة الأمراض وعدم القدرة على الالتحاق بالمدارس وبالتالي زيادة معدلات الجهل والأمية وعدم توافر فرص عمل والخوف من المستقبل وغياب الحريات، والحرمان من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بل والثقافية والترفيهية.

* كل هذا يؤدي إلي استبعاد الفقراء وهم كثر الآن من الحياة الاجتماعية والقدرة الإنتاجية ووقوعهم في بئر التهميش.ولو أخذنا بهذا التعريف فان نصف المجتمع عندنا مهمشين ومستبعدين من قوى الإنتاج والحياة الاجتماعية الكريمة.

ووفقا لتقرير التنمية البشرية المشار إليه, فان الفقراء يشتغلون بأعمال هامشية لا تدر عليهم دخلا مجزيا, ولا يكفي لتغطية الحد الأدنى من متطلبات الحياة عند مستوى(الكفاف) أو إنهم عاطلون ويعيشون في مناطق أسماها البنك الدولي (أحزمة الفقر) على أطراف المدن وتسمى "بالمدن الصفيح" وفي العشوائيات والقبور وفي الشوارع وتحت الكباري. وهذه المدن الصفيح عبارة عن أكواخ صفيح يقيمها المعدمون في الضواحي .

جملة القول أن كل ما يقال يندرج تحت مفهوم (المسكنات) وليس( الحلول) فمعدلات الفقر تزيد, وقضية الدعم تتحول إلي جدل عقيم .... وهذه القضية تمس أبسط حقوق الفقراء وهو حق الحصول على الحد الأدنى من الطعام، والأمر لا يحتمل هذا الجدل العقيم, بين أن نتحول(للدعم النقدي) أو نبقى على (الدعم السلعي) الحالي

* إن القضية الأساسية التي نحن يصددها هي قضية (الفقر) .. ويجب تشخيص المرض أولا, وبيان أسبابه والاتفاق على تعريفه ثم حصر الفقراء وكيفية الوصول إليهم .. ثم وضع السياسات والآليات لتحسين أحوالهم ودعمهم بضمان اجتماعي جيد وزيادة تعليمهم ورفع قدراتهم الإنتاجية للابتعاد بهم عن منطقه التهميش وإدخالهم في دائرة القدرة على الإنتاج وبالتالي رفع قدراتهم على الحصول على جزء متزايد من الدخل القومي وليس مجرد اقتطاع جزء من دخل الأغنياء لإعطائه إلي فقراء المجتمع .... بعد كل هذا يمكن أن نتحدث عن قضية الدعم ونوعه.

وللحديث بقية....


عن الكاتب:
د/ محمد حجازي شريف ، مدرس العلوم السياسية – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ، جامعة القاهرة

الكاتب: د/ محمد حجازى- كلية الاقتصاد والعلوم السياسية

التعليقات على حتى لا ندخل متاهة التحول من الدعم العينى الى الدعم النقدى

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا المقال الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
67044

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

المقالات الأكثر قراءة
مقالات جديدة
Most Popular Tags