|

مقالاتالبيئة والتنمية - مقالات في البيئة والتنمية › الجغرافيا والحرب في معركة أكتوبر المجيدة

الجغرافيا والحرب في معركة أكتوبر المجيدة

يقلم : د. حمدي هاشم خبير جغرافيا بيئية

أكد الصينيون منذ خمسة وعشرين قرناً من الزمان، أن ارتقاء فن الحرب للتمكن من قيادة جيش رهن بمعرفة أساسيات الجغرافيا ومحددات شخصية المكان. وهكذا صارت بين الجغرافيا والحرب علاقة عضوية مبنية على الحكمة لإحراز النصر العسكري وتحقيق مغانم السياسة والاقتصاد. ولن يختفي هذا الدور المتبادل بين جغرافية البيئة ومسرح الحرب مهما تقدمت صناعة السلاح وتطورت تقنيات السيطرة الشاملة على المكان. ولا تزال مناطق النزاع والصراع البشرى في مواقع متفرقة من العالم وراء استمرارية تطوير أسلحة الدمار الشامل والرعب الكوكبي. ورغم ظهور القوة العسكرية الفائقة تظل العناصر الجغرافية الأساسية على الدوام والاستمرار عناصر هامة في إدارة المعركة وتحديد مكاسبها المنظورة وغير المنظورة. هذا ولا يقف دور علم الجغرافيا في الاستراتيجية العسكرية عند دراسة الأرض والبيئة ووضع الخطتين الطبيعية والبشرية، بل تمتد جذوره وتفريعاته إلى قاعدة المعلومات لدعم كافة عناصر القيادة والسيطرة على مسرح العمليات العسكرية في الجو والبر والبحر. وتقوم الجغرافيا العسكرية بدراسة علاقة خصائص جغرافية المكان بمختلف الأنشطة العسكرية، لفك شفرة النسق المكاني وتفعيل الخريطة الذهنية لدى أفراد منظومة القوات المسلحة من أجل رفع كفاءة التنبؤ والتحكم في الأحداث، من خلال تحديد القوى والأهداف والمواقع الحيوية والاستراتيجية وكذلك رصد وتوقع مشكلات مناطق النزاع.

 

تحدت استراتيجية حرب أكتوبر المجيدة إجماع خبراء العالم وإسرائيل في عبور عائق قناة السويس المائي واختراقها الساتر الترابي للضفة الشرقية من القناة، علاوة على كشفها خدعة إسرائيل الكبرى ونقاطها الحصينة بامتداد خط بارليف المنيع، لتسقط أسطورة جيش إسرائيلي لا يقهر. حيث حددت الخطة الشاملة للحرب الوطنية المحاور الرئيسية لتوزيع القوات على الجبهة، بصورة تخدم سرعة نقل الجنود والعتاد والانتشار الآمن داخل مسرح العمليات العسكرية، ورصدت مناطق ضعف القوات المعادية ضمن الخطة الحربية لشن الهجوم المباشر واحتواء مسرح العمليات وشل حركته بقطع خطوطه للإمداد والتموين، بعد إحكام السيطرة على خطوط المواصلات. ولما كان الممر المائي لقناة السويس يشهد حركة عبور أكتوبر 1973، من خلال رؤوس الكباري الخمسة لنقل القوات البرية المصرية وعتادها الحربي، توقف نقل البترول الخام إلى إسرائيل عبر خليج السويس الذي أصبح ممراً مغلقاً أمام الملاحة الإسرائيلية، حيث تقوم قوات البحرية المصرية بتأمين كافة الممرات والمنافذ المائية لمنع وصول الإمدادات الخارجية للعدو، ولا سيما القادمة من دول شرق أسيا وكذلك البترول الإيراني، عبر خطوط المواصلات الإسرائيلية في المسار البحري من مضيق باب المندب والبحر الأحمر وخليج العقبة إلى قواتها البحرية المتمركزة في كل من إيلات وشرم الشيخ على سواحل شبه جزيرة سيناء.

 

أنجزت قوات البحرية المصرية بنجاح تام مهامها التعبوية والقتالية جنوب البحر الأحمر، نتيجة سبق القوات المصرية فى السيطرة اللوجستية على مجموعة الجزر الحيوية بمدخل باب المندب، بالتوافق مع قواتها المتمركزة بميناء عدن والأخرى المنتشرة بطول البحر الأحمر وخليج العقبة، وذلك ضمن استراتيجية الخطة الشاملة لحرب أكتوبر. أما القوات الجوية المصرية ومعها قوات الدفاع الجوى فكانت وراء إحكام السيطرة وغلق حيز العمليات العسكرية أمام القوات الإسرائيلية وإجبارها على الخروج الفعلي من دائرة التدخل في وقت العبور. وذلك بعد كشف قدرات العدو الجوية والقتالية في أثناء حرب الاستنزاف مع الدروس المستفادة من ضرب الطائرات المصرية على الأرض في حرب 1967. حيث كان من المهام الرئيسية للقوات الجوية ورجال الصاعقة المصرية إعاقة مدرعات العدو من التقدم السريع غرباً باتجاه خط بارليف لمنع التقدم البرى للقوات المصريةفي عمق سيناء، ناهيك عن الضربة الجوية الأولى والتأمين الجوى الشامل لكافة العمليات العسكرية في أثناء عبور قناة السويس. وهنا لا ننسى الإشارة إلى سفر "6 أكتوبر في الاستراتيجية العالمية" للدكتور جمال حمدان، الذي نشرته دار الهلال في ذكرى أكتوبر الرابع والعشرين، وقد امتلئ الكتاب بالتحليلات البديعة والمعلومات الدقيقة لتسجيل المعركة الوطنية الكبرى التي دارت رحاها على أرض سيناء والجولان بوابة مصر وعتبة سوريا على حد تعبيره.

الكاتب: د. حمدي هاشم ـ خبير جغرافيا بيئية

التعليقات على الجغرافيا والحرب في معركة أكتوبر المجيدة (8)

د مصطفى عبد الحفيظ الاحولMonday, October 4, 2021

بارك الله فيك د حمدي .. فعلا كان دراسة جغرافيا ساحة المعركة ومعالجة عسكريا ومهندسين السبب الرئيسي لنصر أكتوبر والذى شرفت ان اكون ضابط احتياط منذ ١٩٧٤ وفي توطيد نصر أكتوبر

جدو حسنSaturday, September 28, 2013

كم هو جميل ان يظهر عظمة وابداع الجندى المصرى فى الحروب التى خاضها لتتعلم الاجيال ان الجندى المصرى يواكب دائمامتطلبات الوقت والزمن والمكان كم انت عظيم ايها المصرى الشعاج ودائما تجعل العلماء فى جميع المجالات يتندروه ويبحثوا فى هذه العظمة التى حبها الله وذكرها فى كتابه الكريم واحاديث نبيه عليه الصلاة والسلام بانهم خير اجناد الارض ... دائما موفق ايها العالم الجليل دكتور حمدى هاشم ادام الله عليك ما انت عليه وفيك

احمدWednesday, November 10, 2010

ممتاز

hasnfoSunday, November 1, 2009

البروفسير د. حمدى هاسم لازم حضرتك اللى يقول الكلام ده للأجيال الحاضرة لإبلغهم وتوصيل هذه المعلومات القيمة دى للأجيال اللى جاية .... وشكرا لك يا بروفسير.

حسن الهامي محمودSaturday, October 24, 2009

النجاح رهن العطاء ومصر نجحت في اعطاء مقومات النصر من حيث ابعاد المكان وتوقيت الزمان مما ادي الي محصلة مثلت بعدا خامس أو تصويبا بعدا خامس فكان النصر بالانسان والمكان و الزمان و البعد الخامس الذي يحسم الامر لكن ليس قبل استيفاء كل أو علي الاقل معظم الابعاد

مقال يتسم بميول جغرافية تحسب لكاتبه لتزيد من رصيد انتمائه الي الجغرافيا البيئية لكنه يمثل رؤية خبير يضيئ و ينير لمختلف الابعاد اسبابا و مقومات للنصر

احمد عبدهFriday, October 23, 2009

ليست العبقرية في ان يكون مكسبك هو غايتك بل هو الاستفادة مما تملك لنيل شرف المكسب فستكون هنا اتقنت اشياء اخرى بالاضافة الى المكسب

khaled adelWednesday, October 21, 2009

يكفينى شرف

صبرى عنبرTuesday, October 20, 2009

تظل العناصر الجغرافية الأساسية على الدوام والاستمرار عناصر هامة في إدارة المعركة وتحديد مكاسبها المنظورة وغير المنظورة.

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
69691

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

المقالات الأكثر قراءة
مقالات جديدة
Most Popular Tags