|

مقالاتالبيئة والتنمية - مقالات في البيئة والتنمية › الكنوز المكشوفة وتحسين جودة الحياة

الكنوز المكشوفة وتحسين جودة الحياة

بقلم : د. حمدي هاشم ... لاشك أن الكهرباء قد لعبت دوراً هاماً في إعادة تشكيل العادات الريفية وتغيرت معها رائحة البيوت، حيث ظل الفلاح يستخدم حطب الذرة وعيدان القطن وقش الأرز وغيرها من متبقيات زراعية كوقود منزلي للطهي والتدفئة. وكان يجمع روث المواشي ولا سيما الأبقار ويقوم بخلطها مع التبن لإعداد أقراص الجلة المجففة للاستفادة منها كوقود طبيعي خلال فصل الشتاء. وبصفة مستمرة لا تخلو بيوت الفلاحين من هذه المواد الحيوية النافعة ومخازنها المكشوفة فوق الأسطح، وإن كانت من أسباب نشوب الحرائق بفعل تقلبات جو فصل الربيع، فضلاً عن انتشار الحشرات والزواحف والقوارض. ومن ذاكرة استخداماتها الشائعة، عمل الملاس الذي كان يمتطيه الصبية لعب وجد ويجره الفلاح وزوجه لتطهير المساقى بين الحقول، واستهلاك بعضها في افتراش زرائب تربية الحيوانات، علاوة على استخدم كميات منها وخاصة قش الأرز وتبن القمح في تصنيع الطوب اللبن لإقامة مباني الأرياف التقليدية. والقصد من استهلاكها المستمر والدائم في تلبية احتياجات الفلاح المعيشية، أنه كان لا يضطر إلى حرقها في الهواء المكشوف كما يفعل الآن، نتيجة تراكماتها وانعدام الاستفادة الاقتصادية منها،علاوة على احتياج تخزينها إلى مساحات كبيرة، وذلك بعد انتشار أفران البوتاجاز بالقرى المصرية واتجاه الفلاح لبناء مساكنه بالخرسانة والطوب الأحمر.

 

مخلفات أم متبقيات؟ مع العلم أنها مواد حيوية ذات قيمة اقتصادية هامة، لذا يفضل البعض نعتها بالمتبقيات لتعالى الدعوة للاستفادة منها، ولكنها تبقى مخلفات زراعية ضمن تصنيف المخلفات الصلبة في مصر. فهي بقايا المحاصيل والمخلفات التي تنشأ من مختلف الأنشطة الزراعية، التبن والعروش والعيدان والقش ونواتج تقليم الأشجار والنخيل وأعشاب وحشائش المجارى المائية وكذلك متبقيات تصنيع الأغذية، بالإضافة إلى روث الحيوانات. وتمثل هذه المخلفات الزراعية حوالي 35% من الحجم التقديري السنوي لكافة المخلفات الصلبة المتولدة بمصر(2006)، أي ما يزيد قليلاً على مرة ونصف المرة قدر حجم المخلفات البلدية الصلبة (القمامة). وقد سجلت متوسطاً قدره 0.85 طن/ سنة/ نسمة، بحساب بلوغها 35 مليوناً من الأطنان مقسومة على جملة سكان الريف، بينما سجلت محافظة البحيرة1.5 طن نتيجة استقطابها 19% من جملة المساحة المحصولية بالدولة (قدر محافظتي الشرقية والدقهلية معاً). وعليه يأتي توزيع كثافة هذه المخلفات المتولدة متطابقاً مع النصيب المساحي للزراعة بكل محافظة، إلا أن الاختلاف بينها في نوعية المتبقيات حسب أهمية الحاصلات الزراعية وكمياتها المنتجة. وتشكل مجموعة القمح وقصب السكر والذرة الشامية والأرز حوالي 62.8% من جملة المتبقيات الزراعية النباتية بمصر، ورغم ذلك التأثير البيئي لحرق قش الأرز فهو لا يشكل سوى 10%.

 

الحرق أم إعادة التدوير؟ جدلية مرتبطة بإيجاد المنظومة المتكاملة لاستعادة قيمتها المضافة، باستخدامها في إنتاج الطاقة والأعلاف غير التقليدية والأسمدة العضوية وصناعة الخشب الحبيبي والورق، وكذلك الاتجاه للزراعة على قش الأرز المبلل لإنتاج فطر عيش الغراب للتسويق التجاري والتصدير(كل 2 كيلو جرام تنتج كيلوجرام واحد من الفطر في خلال 40 يوماً). ومع استخدام أساليب إعادة التدوير، تقل فرص انتشار الأمراض والأوبئة وانبعاث الروائح الكريهة وتوالد وتكاثر الآفات ونواقل الأمراض وتلوث مياه الشرب وتصاعد الدخان والغبار، أضف إلى ذلك التأثير في القيم الجمالية والمعنوية، أي أن هناك فرق هائل بحساب التكلفة والعائد. ومن الفوائد، تحسين نوعية هواء المناطق الحضرية والريفية المختنقة بنواتج حرق مخلفات الحقول، وكذلك خفض الاستهلاك من الأسمدة الصناعية وتكلفة الأضرار الاقتصادية والصحية. وسيرتفع مع زيادة إنتاجية وخصوبة الأراضي متوسط دخل الفلاح وأسرته، مع توفير فرص عمل للشباب بالمشروعات الصغيرة مرتفعة العائد، الأمر الذي يصحح التوازن في العلاقة بين الإنسان والبيئة. وجدير بالإشارة أن الحد من الحرق المكشوف وإعادة تدوير المخلفات الزراعية له كثير من الإيجابيات على حصة مصر في بورصة الكربون الدولية.

 

لذا يلزم مصر المستقبل، استراتيجية قومية لتفعيل إعادة التدوير تقوم على، ترسيخ ثقافة الاستفادة من تلك المواد الحيوية الهامة بالاعتماد على دراسات الجدوى الاقتصادية، وتقوية دور المحليات بالمحافظات الريفية في إدارة هذه الثروة الوطنية، وتأسيس بنك قومي للمعلومات ودعم اتخاذ القرار بشأنها بمختلف المناطق الجغرافية لإنجاح برامج التخلص المستمر والتخطيط المستقبلي للاستفادة منها. وذلك بالمشاركة مع القطاع الخاص والشركات ذات العلاقة، ومنها الطاقة والأدوية والأسمدة والكيماويات وغيرها، لإنشاء وتطوير الصناعات التي تقوم على بعض هذه المخلفات وربطها بنتائج الدراسات المناظرة. وكذلك الاهتمام برفع الوعي البيئي الجماهيري بأهمية الاستفادة من هذه المخلفات النافعة، بما في ذلك التأهيل الفني والإداري لأكثر من 5 آلاف جمعية تعاونية ونوعية تعمل في المجال الزراعي، في سبيل إنشاء بورصة للمتبقيات الزراعية. وقد يتطلب الأمر تخريج فنيين من المدارس الثانوية الزراعية في مجال إعادة التدوير والصناعات القائمة عليها، أو تؤسس وزارة الزراعة بالاشتراك مع الوزارات المعنية والمركز القومي للبحوث مؤسسة تعليمية تدعم هذا الشأن، ومثلها للقيام بعملية التدريب المستمر، لضمان توفير فرص عمل للشباب المتعطل وتنمية موارد الدولة ومداومة الارتقاء بجودة الحياة.

نشرت بجريدة الأهرام في يوم الأربعاء

14 يوليه 2010

الكاتب: د. حمدي هاشم

التعليقات على الكنوز المكشوفة وتحسين جودة الحياة (13)

مدحت شعبان السيدSaturday, August 14, 2010

أولا اعتذار على عدم الرد لعدم تمكنى من النت فترة وتقبل تحياتى ياسيدى اينما كنت
المقال رائع ويهدف لسد فجوة واشكالية علمية من مراكزالبحث العلمى كوادى السيلكون فى الاسماعلية وكنا ننتظر منة تقنيات البلورة المفردة (سيلكون+ فوسفور)ومن ثم انتاج اللوحات الام ثم اغراق السوق بمنتجات كالصينيةمن كل النواحى التكنولوجيا وهى نتاج معالجة القمامةالناتجة من تدويرهامن اطراف المدن .واخيرا تقبل شكرى على اهتمامك بالموضوع.

د. جادالحق جابرMonday, August 9, 2010

أعجبنى الوصف العلمى الشامل لحياة المزارع المصرى وتعامله مع المتبقيات (النفابات) الزراعية. ولكن ألا توافقنى أن التدوير لايد أن يكون مشروع قومى وليست مبادرات شخصية من مزارعين. على الاقل على مستوى القرية الواحدة حتى لا يلام المزارع المصرى على طريقتة فى التعامل مع المشكلة وسيتم ذلك أيضا باستخدام الكهرباء.
مقال جميل .... ولك منى كل التقدير

حسن الهاميSunday, August 8, 2010

اتابع مقالات الدكتور حمدي هاشم ، وتتسم مقالاته بثلاث معالم رئيسية واولهما تناول المسمائل التي ترتبط بالواقع ، وثانيهما رصد الواقع وتقديم حلول عملية واقعية وثالثهما التناول العلمي بمقدمة للمسألة وفروض ونتائج وتوصيات
وهنا يرصد الباحث الكريم مسألة المخلفات الصلبة ويذهب الي اسباب تعاظمهما حجما و وزنا ثم يقدم عدد من التوصيات التي تستثمر المتبقيات و الانسان في تكامل يضم في دائرته جهات البحث العلمي و التعليم العالي والمدارس الزراعية ولاشك في الاقتراحات و التوصيات جديرة بالاهتمام خاصة اذا توجه اولي الامر الي تجارب الدول في استخدام المتبقيات خاصة في الصين و الهند ، بل تجربة الفلاح المصري ما قبل عصر الطوب الاحمر والبوتجاز وسأذهب بعيدا واقول ان مطار شارلي ديجول يستخدم المخلفات الصلبة في انتاج الميثان و استخداهه وقودا لتدفئة المياه وغيرها
وجدير بالاهتمام ان تولي وزارة البيئة الموضوع من زاوية التعامل مع المخلفات الصلبة الي الدكتور حمدي و تكون احد المحافظات هي مجال مسئوليته وليكون ذلك خلال عام ثم نحكم علي التجربة واعتقد ان هذا اسلوب ايجابي مع مثل هذه الاراء الجادة من خبير لا يألوا جهدا وفكرا وعملا نحو الافضل علي كافة المستويات

ابراهيم أحمد عشرةSunday, August 8, 2010

كنت أود لو وضعت تقييم 5 (الأفضل) لهذا المقال الممتاز المفيد . ثم تذكرت المقال السابق ( المناجم الحضرية ) وهو مفال اخر ممتاز ، و تذكرت أن ما ينقص هذه النوعية الممتازة من المفالت و أوراق البحث ، هو الصراحة السياسية التي ستشير مباشرة الي السبب الحقيقي الذي يكمن وراء كل تأخير لحل مشاكلنا الداخلية و الخارجية . اننا نستطيع مواجهة كافة المشاكل التي نتعرض لها ، فلدينا الكفاءات العلمية و الفكرية من أمثالكم ، و لدينا الامكانات الذاتبة التي تسمح لنا بالمواجهة . كل ما ينقصنا هوالاخلاص في اتخاذ القرارات التنقيذية، والبعدعن الأهواء الذاتية و المصالح الشخصية التي أفسدت سياستنا الداخلية و الخارجية . للأسف ، في ظل ما نحن نعيش فيه ، لن يتم تنفيذ أي حل لمشاكلناالا اذا كان وراء ذلك منافع شخصية للجهات الادارية التنفبذية. القضاء علي الفساد الاداري و السياسي هو بداية الحل .

د. هيثم سـميرSaturday, August 7, 2010

ان ربط الكم الهائل من الأبحاث والأفكار العلمية الطموحة بالواقع العملى والمؤسسى تحتاج الى اعادة نظر من الدولة فى وضع استراتيجية تدعم هذه الأفكار ماديا وتحولها الى واقع تطبيقى بعد الدراسة المتانية والاختيار المدقق للأولويات. وما يطرحه الدكتور حمدى هاشم فى مقاله من اعادة فهم للمخلفات على أنها مورد يمكن استغلاله يقع على قائمة تلك الأولويات بعد أن أصبح الاهتمام يالبيئة لا يمكن اغفاله لضمان مستقبل أفضل لحميع الشعوب.

DR Ahmed REFAATSaturday, August 7, 2010

بصراحة يا دكتور حمدي جميع مقالاتك قيمة و تتناول مواضيع هامة يجب علي الدولة ووسائل الاعلام الاهتمام بها من أجل تحسين الدخل القومي ورفع مستوي المعيشة و القضاء علي البطالة مع ايجاد فرص عمل في مجالات جديدة و خاصةمجال التدوير و اعادة الاستخداد لمواردنا الطبيعية.

د. أحمد الفقيFriday, August 6, 2010

أؤيدك بشدة على تأهيل متخصصين فى إعادة التدوير وإنشاء بورصة للمتبقيات الزراعية لأن ذلك سيعمل على الارتقاء بالريف والفلاح المصري وما يتبع ذلك من نهضة كبيرة. ولكنها حلم يصطدم بمصالح المسئولين الذين لا تتجاوز اهتماماتهم بالناس عدم حدوث ثورة للجياع فقط. وبالتالى أنا أشاركك تلك الفكرة في شكل حلم رائع. أين محاولات زراعة القمح على مياه البحر. أين أفكار العلماء فى القضاء على البلهارسيا وتنمية الريف والزراعة المصرية. أين المهندس مخترع جهاز تحلية مياه البحر بتكلفة رخيصة وقد رفضت فكرته لتضاربها مع مصلحة البعض.أين مخترع السيفون قليل الاستهلاك للمياه. أين الكثير من نتاج العقول المصرية، كلها أحلام ماتت لأنها اصطدمت بمصالح الكبار.

قاسم زكىFriday, August 6, 2010

يلزم مصر عمل إستراتيجية قومية للأستفادة من تلك المتبقيات
من الذى سيقوم بعمل و تنفيذ تلك الإستراتيجية؟

د/ سمير سامى محمود محمدFriday, August 6, 2010

موضوع مهم ويستحق المزيد من الدراسات مع تحياتى يادكتور حمدى

adelnadaFriday, August 6, 2010

أحسنت

DALIA NAWAREGFriday, August 6, 2010

المقال رائع دكتور بس احب اقول ان المقترحات اللى تضمنها المقال اكتر من رائعة و حلول عملية لمشكلة المخلفات الزراعية الصلبة و فيه حلول و مقترحات كتيرو فيه افكار لشباب طموح و جاد بس عاوزين دعم و التغلب على الروتين و التعقيدات الادارية
و شكرا دكتور على جهدك و اهتمامك

الشاعر / محمد فايد عثمانFriday, August 6, 2010

بالرغم من حضوري للمحاضرة القيمة للعالم الفذ الدكتور / حمدي هاشم في الجمعية الجغرافية المصرية العريقة ، وفيها هذا الجزء الوارد في هذا المقال ، إلا أن متعة قراءتهاالشهر الماضي واحتفاظي به ضمن أوراق المحاضرة لنشره في أكبر صحيفة عربية ، ثم اطلاعي عليه هنا في هذا الموقع الهادف الجاد له مذاق خاص

تهنئتي وإعجابي بالعالم الجليل قمة التواضع والإنسانية الدكتور / خممدي هاشم .



ملاحظة هامة : لمن قد يستريب في الأمر :

هذا الرجل لايحفل بمدحة مادح ولا تجاهل جاهل ، فهو يعمل في صمت . ولكن فريضة علىَّ كمسلم أن أوقره وأقدره وأدعو الله عزَّ وجلَّ لهُ بدوام التوفيق وأن يرزقه الوقت والصحة ليواصل رسالته في تثقيف الأمة في مجال من أهم مجالات الحياة ....لو كانوا يعلمون

الشاعر / محمد فايد عثمان

Hossam HamdiThursday, August 5, 2010

Very good and honnest thinking andexpressing Dr. Hamdi-thank you we need more plans to apply for
execution

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
49870

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

المقالات الأكثر قراءة
مقالات جديدة
Most Popular Tags