|

مقالاتمواضيع عامة › ثقافة العمل التطوعي

ثقافة العمل التطوعي

بقلم: د. علي عمر بادحدح
ورد في إحدى الإحصاءات أن في أمريكا 94.2 مليون متطوع، قدموا 20.5 بليون ساعة عمل تعادل إنتاج 9 ملايين موظف متفرغ، بقيمة إجمالية تقدر بـ176 مليون دولار، وذلك خلال عام واحد، وعندما نطالع ذلك ونضيف إليه الدور المتنامي لمؤسسات المجتمع المدني وتأثيرها على سياسات الحكومات والقضايا الدولية مثل مشكلات تغير المناخ والتسلح النووي، واليوم في المجتمعات الحديثة صار القطاع المدني التطوعي يمثل منظومة متكاملة شاملة تمثل ركنًا ثالثًا في بناء المجتمعات الحديثة مع القطاع الحكومي والقطاع الأهلي، واعتمدت كثير من الدول المتقدمة والمنظمات الدولية توظيف المنظمات الطوعية في مشاريع التنمية، واعتبرت الأمم المتحدة ركائز الحكم الراشد: الدولة والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية.

هذا المدخل يكشف عن هوة كبيرة بين هذا العالم المتحرك المتفاعل الذي تتطور فيه آليات ومجالات المشاركة الشعبية، وواقع شعوب العالم الثالث التي -في الجملة- لم تحظ بقدر مقبول من المشاركة السياسية لأسباب يمكن فهمها، لكنها كذلك شبه معطلة ومقيدة في مجال المشاركة الاجتماعية من خلال العمل التطوعي المنظم في صورة مؤسسات المجتمع المدني، وذلك يضيف المزيد من تعطيل الطاقات وزيادة المشكلات في تلك المجتمعات.

العمل التطوعي هو "تقديم الفرد باختياره وقته وجهده وماله وفكره لتحقيق أهداف تخدم وتنمي الفرد والمجتمع في مجالات متعددة"، وعلى المستوى المؤسسي هو "تقديم منظومة مؤسسية تطوعية جهودًا بشرية وعلمية ومالية وفكرية؛ لتحقيق أهداف تخدم وتنمي العالم وتدافع عن حقوق البشر وكوكب الأرض في المجالات المختلفة"، وعند التأمل نجد لهذا المفهوم تأصيلاً أساسيًّا في إسلامنا..

فالله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77]، ويقول كذلك: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء: 73]. ولا يخفى بعد الربط بين العبادات وفعل الخيرات الذي يفتح الباب على مصراعيه لكل عمل فيه خير، ونجد تأكيد ذلك مع ضرب الأمثلة في حديث المصطفى حيث يقول: "كل سلامى من الناس عليها صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين الاثنين صدقة، ويعين الرجل على دابته فيحمله عليها متاعه صدقة... ويميط الأذى عن الطريق صدقة". وفي حديث آخر ورد قوله: "تبسمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الظلال لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة".

ومما ينبغي الانتباه له أن للعمل التطوعي أبعادًا وجذورًا إنسانية مشتركة تتعلق بالفطرة الإنسانية، وعمادها عاطفة الرحمة والشفقة وطبيعة المشاركة والمواساة، ولا ننسى أن للتطوع صلة وطيدة بالناحية الاجتماعية؛ فالإنسان مدني بطبعه ويحب العلاقات ويميل إلى المشاركة في الخدمات، كما أن التطوع يشبع حب الذات والقدرة على الإنجاز، كما أن الوطنية عامل مؤثر؛ لأن الفرد يحب خدمة وطنه ويسعى لتقدمه وعلاج مشكلاته ويشعر بالتحدي في مجال التنافس بين الدول والمجتمعات في ميدان التقدم، لا سيما وأن التطوع وفاعلية المجتمع المدني دخلت ضمن المعايير المعتمدة دوليًّا في تقييم الدول وتقدمها، وفي عالم ثورة الإتصالات والقرية الواحدة نجد نقل التجارب والاستفادة من الخبرات سمة ظاهرة للمجتمعات الحية والنخب الفاعلة، وخاصة الجيل الجديد من الشباب والشابات.

إننا في حاجة ماسة إلى تسويق مفهوم التطوع ودعم المتطوعين، وتوسيع دائرة مؤسسات المجتمع المدني كمًّا ونوعًا؛ ولتحقيق ذلك لا بد من العمل في ثلاثة محاور؛ أولها: المحور الثقافي المعرفي، فلا بد من إشاعة ثقافة التطوع والتعريف بمفاهيمه، وهنا لا بد أن يكون ذلك في صلب مناهج التعليم الأساسية والجامعية نظريًّا وعمليًّا، كما أنه لا بد أن يكون ضمن رسالة وسائل الاعلام بشتى أنواعها، فضلاً عن كونه جزءًا من رسالة المسجد، وقبل ذلك ومعه أن يدخل التطوع ضمن مفاهيم التربية الأسرية داخل البيوت.

والمحور التأهيلي التدريبي هو ثاني المحاور، إذ لا مناص لنشر التطوع من تأهيل المتطوعين وتدريبهم في مجالات التطوع المختلفة؛ فمن دورات الصحة العامة والإسعافات الأولية في القطاع الصحي إلى دورات طرق التعليم لمحو الأمية، إلى التدريب على العمل الإغاثي وأعمال الإنقاذ والعمل في الكوارث، وصولاً إلى التدريب على الإرشاد الاجتماعي والعلاج النفسي، وغير ذلك كثير.

والمحور التنظيمي القانوني ثالث المحاور، وربما كان أكثرها أهمية وهو متعلق بإعطاء الصفة القانونية للراغبين في العمل التطوعي وخدمة المجتمع، وأن تسهل الإجراءات وتشجع المجموعات على تأسيس مؤسسات وجمعيات لخدمة المجتمع في شتى المجالات والتخصصات.

أما الوضع الحالي الذي تغيب فيه ثقافة التطوع، وتنعدم برامج التأهيل، وتوصد أبواب الترسيم والتنظيم فهو الذي تعاني منه دولنا وشعوبنا، ولا بد من الإسراع في تغيير هذا الواقع بتعاون وتكامل حكومي شعبي؛ لأن الفوائد من وراء ذلك عظيمة ودوائرها واسعة.. إننا فقراء في المؤسسات ومتأخرون في التدريب ومشغولون عن الثقافة والوعي، ونحتاج إلى توحيد الجهود لتلافي ذلك والانطلاق إلى آفاق أرحب وأقوى، والأمل في شبابنا كبير كما رأينا نموذجهم التطوعي الإيجابي المتميز في كارثة سيول جدة.. فهلا التفتت الوزارات والإدارات الحكومية إلى تلك الطاقات والخبرات لتفتح لها آفاق العمل وأبواب التعاون والتكامل لمصلحة الوطن وخدمة المواطنين، بدلاً من الجمود والبقاء في أسر البيروقراطية التي عفا عليها الزمن! اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.

الكاتب: د. علي عمر بادحدح

التعليقات على ثقافة العمل التطوعي (3)

محمدعالي لبيضThursday, June 25, 2015

/ محمدعالي لبيض / مواصلة للتعليق على ثقافة العمل التطوعي
في الحقيقة تجربتنا في العمل التطوعي داخل مخيمات اللاجئين الصحراويين منذ 1976 كانت فريدة وغاية في المردودية رغم ما يميز واقع مخيمات اللاجئين الصحراويين من صعوبة في ظروف الحياة عامة ولكن اكاد اجزم بان التطوع كان الوسيلة الوحيدة التي اعطت مردودا على مستوىين:
أ‌- تجنيد العامل البشري في هذه المخيمات في عملية تطوع واسعة شملت بناء المدارس والمستشقيات والمرافق العمومية المحلية مع اعتمادها على الوسائل المتاحة وقد نجح الصحراويين في هذه المخيمات بالفعل في بناء مؤسسات صحية متمثلة في مستشفي في كل مخيم يستجيب لحاجيات سكان المخيم في العلاج وتقديم الخدمات الصحية كما كان بناء المدارس المحلية لتدريس الاطفال واحدا من الاهداف الرئيسسية لعملية التطوع وهو ما تحقق ويتم الى اليوم استثماره حيث سمح التطوع الشامل للمواطنين من سكان هذه المخيمات بخلق بنية تحية تشكل سر صمود هذه المخيمات منذ 1976 حتى اليوم كما شمل التطوع عمليات واسعة لتجييش الجنسين والتركيز على فيئة الشباب والشابات الذين يشكلون اليوم القوة الحية في المخيمات حيث يتمسكون بالانضباط التنظيمي ولكن بكل وعي بان التطوع هو الذي يمكن اي مجتمع من ان يصل الى الدجة التي عليها الصحراويين في مخيمات اللاجئين ولقد نعلم ان البعثات الاجنبية التي زارت وتزور المخيمات تشهد على تجربة الصحراويين في ميدان العمل التطوعي وهو عمل ترسخ مع مرور الزمن ليصبح مبدأ معمول به في اوساط السكان في هذه المخيمات وكل انسان يعي جيدا اهمية التطوع كونه خدمة عامة بدون مقابل مادي ولا مالي تقدم للبلد والشعب من اجل النهوض بالخدمات الاجتماعية والاقتصادية على مستوى البلد.
ب‌- حملات التطوع ركزت على ثلاثة محاور اساسية :
• حملات تطوعية لنظافة المحيط تشارك فيها السكان المحليين والسلطات على مستوي مركزي ومحلي وتشرف علىيها ادارة مشكلة من المشاركين في الحملة التطوعية التي غالبا ما تخصص لميدان بعينه ( صحة، فلاحة, بناء) وبعد نهاية كل حملة التي تدوم من اسبوع الى شهر يتم التقييم وتتخذ اجراءات تهدف الى الحفاط على ما تم انجازه خلال حملة التطوع.
• حملات تجنيد تطوعي لفترات قصيرة من عشرة ايام الى شهر تتم فيها التوعية والتدريب على استخدام بعد المعدات التي تساعد المتطوعين من الجنسين على تحسين الاداء خلال عمليات التطوع.
• اشراك الطلاب من جميع المستويات في حملات التطوع خلال العطل الصيفية والذين يتم توزعهم حسب افواع ومجموعات تقوم بالمقرر لها في التطوع وتشرف السلطات المحملية للمخيمات على جميع انشطة التطوع باعتباره برنامجا وطنيا ضروري تطويره وخلق عقلية العمل الجماعي لدى الفيئات العمرية الشابة بالاخص.
من هنا لابد ان نؤكد على اهمية المبدأ في خلق العقلية اذ انه مالم تخلق عقلية العمل التطوعي في المجتمع ويتم غرسها في اجياله الصاعدة علما كذالك ان التطوع يشكل البنية التي تقوي لحمة وتضامن المجتمع ليشد بعضعه ازر بعضا ناهيك على ما يتم اكتسابه خلال اشراك المتطوعيين في حالات الكوارث والتي هي الاخرى لا تخرج عن نوع من العمل التطوعي والتضامن بين افراد المجتمع.
يبقى لي ان اكد للمهتمين بالعمل التطوعي ان يحاولوا القيام بزيارات الى المخيمات الصحراوية لباشروا عن قرب ويتأكدوا من الحقائق موضوع التعليق اتمنى لاخواننا العرب ان يكون على وعي بهذه الحقائق وان لا يستهئزوا بما يتم القيام به في هذا الاطار في مخيمات اللاجئين الصحراويين وان يشجعوا الاعلام على زيارة تلك المخيمات اذا لم يكن القائمن على الشأن الوطني العربي في مستوى من الشجاعة ليزوروا المخيمات لاسباب نحن ندركها وواعون بخلفياتها وما ورائها من عقد تغذيها السياسة وغض النظر عن المظلوم.

محمدعالي لبيضWednesday, June 25, 2014

مادمنا نتحدث عن اهمية التطوع في ترقية التضامن الاجتماعي فانه يجدر بنا القول التوقف عند نقطة اساسية تشكل القاسم المشترك بين المتطوعين فعملية التطوع لابد لها من توحيد التصور حول الهدف المراد تحقيقه من كل عملية تطوع ومن ثمةفان حضور المؤسسات العموميةخاصة مؤسسات الحكومة في توجيه عملية التطوع تبقى مسالة مطلوبة ولكن لابد لكي تكون عملية التطوع ناجحة من مشاركة كواد الدولة فيها. وبما انني عشت تجربة التطوع الناجحة في مخيمات اللاحئين الصحراويين والتي كان لها الفضل فيما هو قائم اليوم من مؤسسات تعليمية وصحية وبنيات خدمية في مجالات شتى فان نجاحها اعتمد بنسبة كبيرة على مثالية الكوادر التي تقود المؤسسات والهيئات الصحراوية في الحركة والدولة وكانت كل عملية تطوع تشكل حافزا معنويا للمشاركين من كل الجهات عبر مؤسسات الدولة مجتمعها المدني وعند اعطاء الضؤ لانطلاق حملات التطوع كانت القيادات تسير في مقدمتها مشجعة بذلك الفيئات العريضة من الشباب والعمال حتى عناصر القوات المسلحة الصحراوية التي تكون متواجدة في عطلها تساهم مع المواطنين في انجاح اي تطور وعبر السنوات التي خاضت فيها جبهة البوليزاريو الجمهورية العربيةالصحراوية غمار هذه التحربة اصبحت تشكل قاعدة عمل تساهم في انجاز المشاريع بنسبة 30% وبذلك تكون الاعباء العامة على الدولة قد خففت بنفس النسبة. والتجربة موضوع النقاش اي ثقافة التطوع في النهاية هي احدى الخيارات المتاحة في لجميع المجتمعات تمارس ليس فقط لتخفيف الاعباء والتكاليف الاقتصادية على الدولة بل تخلق التكامل بين فيئات المجتمع وتقوى عرى التضامن الاجتماعي بين مكونات المجتمع وتربي النشئي على العمل الجماعي لفائدة عامة وهي بالتالي الوسيلة والمدرسة التي يتخرج منها المتطوع بانطباع يقوى فيه روح الانتماء للوطن ويحفزه على بدل الجهد الاضافي بدون مقابل مالي عند ما يرى ان مؤسسة ذاة افضلية عامةقد بنيت بسواعد اناس متطوعون يقدمون جهودا جماعية تشكل حزءا من الاستثمار الذي يعود على الدولة وسكانهابالفائدة ويساعد الحكومات على ادخار اموالها لبعض الاولويات الاخرى. ان تجربة التطوع لدى جبهة البوليزايو وحكومة الجمهورية العربية الصحراوية هي تجربة ملموسة والمؤسسات التي تمت بضل التطوع قائمة ومنها مدارس في مخيمات اللاجئين والاراضي التي تبسط عليها الدولة الصحراوي سلطاتهابالاضافة الى المستوصفات والوحدات الادارية الاخرى. ولاشك ان الاروبيون وخاصة من الاسبانين والاطاليين الذين يمولون عدد من مشاريع التعاون لدى جبهة البوليزايو في المخيمات الصحراوية وفي الاراضي تحت سطلة الصحراويين يشهدون هؤلاي الاروبيون بما نحدث عنه وهذا يزكي المبدا الذي يعطي للتطوع معناه ومغزاه وعلى العموم لابد من تجربة لتجربة التطوع ان تبنى على اهذاف واضحة وان تتم في ارضية واعية تسمح بتجنيد المجتمع للاخراط فيها باعتبارها جزء من عملية الانتاج التي يقوم بها المجتمع بدون حصوله على مرتبات.

هشامSaturday, April 20, 2013

بارك الله فيك هذه أعمال تطوعية في غاية الأهمية نرجو من الشباب الأخذ بها

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
64231

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

المقالات الأكثر قراءة
مقالات جديدة
Most Popular Tags