|

مقالاتمقالات تخصصية › الحضور البشرى وأزمة العمران البيئى

الحضور البشرى وأزمة العمران البيئى

بقلـم: د.حمدى هاشم - خبير جغرافيا بيئية
شهدت المناطق الحضرية في الآونة الأخيرة تغييرات جسيمة، نتيجة تفكك أوصال المدن بتأثير العوامل السكانية والاقتصادية والتكنولوجية، بل تغيرت بعض مفاهيم 'الحضر' مثل مركز المدينة وحدودها، التي كانت مركزاً متعدد الوظائف وأطرافاً تحيط بها، ولكنها قد تحولت فتجاورت وصارت كالجزر المنعزلة لشدة تخصصها الوظيفي، مثل القرى السياحية وغيرها. أما المدينة بوصفها كائن اجتماعي، بالإضافة إلى كونها دولة ومركز عام للحكم الجمهوري (تحقيقاً لمبادئ الديمقراطية والمواطنة)، فقد تغيرت في نطاق تعاظم التجمعات الحضرية الممتدة بلا نظام ولا اتساق. وترى منظمة الأمم المتحدة هذا التحول أحد التطورات الكبرى التي حدثت خلال القرن العشرين والتي ما تزال مستمرة، حيث لا يخلو إقليم في العالم من النمو الحضري. ومتوقع أن تصبح نسبة سكان الحضر 57 % من جملة سكان العالم (بحلول عام 2020) في مقابل النسبة الحالية وقدرها 43 %. ومن المتناقضات أن دول العالم الثالث هي التي تعانى من انفجار النمو الحضري، حيث يتضاعف بها عدد المدن (التي تضم 5 ملايين نسمة أو أكثر) نحو 45 مرة، في حين تتضاعف مثيلتها في البلدان الصناعية ثلاث مرات، بالإضافة إلى تردى أوضاعها الاقتصادية والبيئية والصحية، حيث يعيش نحو 50% من سكانها في مدن الأكواخ وأن50 % منهم لا يحصلون على الماء النقي بل يعيش 40 % منهم بدون صرف صحي، وعلاوة على ذلك انتشار القمامة التي لا يجمع منها سوى 30 %. ويؤكد علماء الاقتصاد، صعوبة خفض معدلات النمو الحضري سواء في البلدان الصناعية أو النامية، لأن المناطق الحضرية هي آلة التطور الاقتصادي في كل البلدان، ودليل ذلك استئثارها بنحو60 % من إجمالي الناتج القومي بدول العالم الثالث. ويرى علماء الاجتماع، في حالة استمرار النمو الحضري بمعدلاته الحالية، فإن سطح الأرض سيتحول (في سنة 2100) إلى صحراء قاحلة تتناثر فيها جزر من الإنتاج الزراعي، وستتبدل وظائف المدن لتحاكى الاقتصاد العالمي في مرحلة ما بعد الصناعة.

اقترن شعار 'المدن الخضراء' بيوم البيئة العالمي (2005) في محاولة جادة للوصول إلى أنسب الطرق لإدارة هذا التوسع الحضري الرهيب، بتعزيز وسائل المواءمة البيئية للأنظمة الطبيعية داخل المدن. ولما كانت تؤدى استخدامات الأرض الحالية بالمناطق الحضرية إلي نتائج اقتصادية وخيمة ومشكلات بيئية حادة، الأمر الذي يتطلب من خبراء البيئة تطوير استراتيجيات اجتماعية جديدة ومتسقة مع النظام البيئي الحضري، وأن يستحدث مهندسو العمارة ومخططو المدن أنماطاً للإسكان، متوافقة ومتناغمة في تصميمها وموادها ومدخلاتها ومخرجاتها مع الأنظمة الطبيعية، المؤثرة في نوعية وجودة حياة الإنسان، وأن تحقق السياسات الاقتصادية الحسابات المتوازنة بين التكلفة والعائد، للمحافظة على المحيط البيئي من التدهور والتلوث. ولا ننسى أن العلاقة بين الريف والحضر لا تقوم على التضاد بل على التكامل، بمفهومه الواسع، حيث خرجت المدينة من رحم القرية رغم تجاوزها القرية في الحجم، إلا أن القرية لا تزال مستمرة في تغذية ذلك الكائن الذي خرج من رحمها، وهكذا تظل العلاقة تنمو بينهما على نحو من التكامل والتكافل الحضري. ولكن نتيجة غياب التخطيط الحكومي وزيادة الضغط السكاني على البيئة، تفشت العشوائية واتسعت الفجوة الاقتصادية بين الريف والحضر، بل تزايدت الفوضى البيئية مع تضخم حجم المدينة. أضف إلى ذلك تزايد ضغوط المنظمات الدولية نحو دفع المسئولية السياسية والإدارية بمدن العالم الثالث، تجاه ضرورة الأخذ بمكافحة الفقر وإعادة توزيع الثروة والعمل على إبطاء معدلات التدهور والتلوث البيئي.

ومن مراجعة أهم الأسباب والقضايا المؤثرة في تشكيل صورة العمران في مصر، والتي يمكن حصرها فيما يلي:
• التزايد السكاني وانتشار ظاهرة التحضر وارتفاع نسبة الحضرية في مقابل انحسار وتقلص دور الريف مع الاستخدام الجائر لعناصر البيئة الطبيعية وأثر ذلك في اختلال التوازن البيئي على المستوى العالمي والإقليمي والمحلى.
• التحول من التكافل الاجتماعي إلى المجتمع المنقسم على نفسه، ذلك المجتمع شديد الصلة بسياسات الاقتصاد الليبرالي المحدث التي تهدف إلى إقامة نظام اقتصادي عالمي جديد، يتألف من تكتلات اقتصادية منفتحة على نفسها داخلياً ومتعاونة بعضها مع بعض خارجياً، التي ليس من بين أهدافها مراعاة الاختلاف والخلل الاقتصادي بين الدول ولا سيما الفقيرة منها.
• اختلال العلاقة بين دول الشمال والجنوب، من واقع اختلاف الرؤية تجاه التنمية والبيئة، مع تنامي دور المجتمع المدني وظهور جماعات الضغط السياسي بالدول المتقدمة، وأثر ذلك في نقل الصناعات الملوثة للبيئة لتستقر داخل حزام الدول الفقيرة، بغض النظر عن تلك الآثار البيئية والاقتصادية للتلوث، ولا سيما ذلك الفقد الاقتصادي نتيجة انتشار الأمراض المرتبطة بالتلوث الصناعي وتدهور الصحة العامة للسكان.
• غياب التخطيط الإقليمي والعمراني المرتبط بالمنظور القومي، في مقابل انتشار ظاهرة العشوائيات وفوضى تخطيط العمران في مصر، حيث عجزت علاقة الجوار بين المدينة والقرية، عن تحقيق تبادل المنفعة في ظل اقتصاد يحترم تلك العلاقة العضوية التبادلية، فنمت وتنمو معظم المدن بمصر على حساب ندرة الأرض الزراعية.
• دخول الكهرباء لإنارة مساكن الريف ولم تستغل في تطوير أساليب الري أو الميكنة الزراعية، وأثر ذلك في تغير التركيبة الاجتماعية والاقتصادية للسكان، وانتشار ظاهرة تبوير الأرض الزراعية لتوفير الأراضي لبناء المساكن، ولا سيما بمناطق الأطراف حول المدن، أي المناطق الفاصلة بين المدينة والريف.
• عجز قانون البيئة رقم (4) لسنة (1994) في تفعيل النسق القيمى للأخلاقيات العامة باتجاه المحافظة على البيئة من التلوث وصيانتها من أجل الأجيال القادمة. علاوة على عدم التوافق بين وزارة البيئة والجهات المنفذة للقوانين.
• تفشى الأمية البيئية وغياب السياسة الحكومية وتزايد الضغط السكاني على البيئة المحيطة، وتعثر التنمية البشرية، أمام متطلبات التغلب على مشكلات التعليم والفقر والتفاوت الاجتماعي، والدعوة إلى إصلاح التعليم وربطه بالهوية الثقافية والتنوع، في ظل تبنى منظومة التعليم من أجل تنمية مستديمة.
• أهم القضايا في إطار تقهقر دور الدولة، أن التغيير والإصلاح المنشود في التعليم والبيئة والمجتمع لن يثمر عن نتائج إيجابية إلا في ظل وجود إرادة سياسية ومشاركة واعية من جماعات المجتمع المدني.

الكاتب: د.حمدى هاشم - خبير جغرافيا بيئية

التعليقات على الحضور البشرى وأزمة العمران البيئى (3)

د زكريا فؤادMonday, November 5, 2012

الأستاذ الدكتور حمدى هاشم الخبير و المهتم بالقطاع البيئى و الجغرافى بمصر دائما و ابدا مهموم بالقضايا البيئية يرصد و يحلل و يقيم و يضع الحلول بتاء عن دراسات واسعة و خبرة متميزة فى هذا المجال و لكن مع الأسف لم يبقى الحال كما هو علية منذ عشرين او ثلاثون عاما بل يزداد سوءا عاما بعد عام و الكل مشارك بصورة أو بأخرى سواء بطريقة مباشرة او غير مباشرة - الكل يساهم فى التقدم الخلفى لا التقدم المامى - نشارك فى الهدم لا البناء الا ما رحم ربى - و الواقع و الأرقام و الأحصاءات المحلية و الدولية خير شاهد على ذلك و لنرى ماذا يصنع اصحاب القرار ورجال الأعمال بل و الحمعيات الأهلية و المجتمع المجنى بل افرار الشعب الا ما رحم ربى و اعجبنى تعبير الأمية البيئية فحقا نحت نعانى امية و عشوائية ليس فقط امية تعليم او عشوائية مبانى بل تعانى الأمية المصرية من امية علمية ثقافية بيئية تكنولوحية... و كذلك نعانى من عشوائية الأفكار و التخطيط و التنفيذ و ليس لها من دون الله كاشفة - فلنراجع انفسنا و لنبدأبالبناء و التنمية و التقدم قبل فوات الأوان و لله الأمر من فبل و من بعد

م / جمال حلميMonday, November 5, 2012

أشارك الكاتب الرأي في بعض النقاط وأشير الي .. أن تنامي مجتمعات النمو الحضري وهي خدمية مستهلكة يعني تراجع المجتمعات الريفية المنتجة وهذا يهدد بكارثة .. المناطق الحضرية ليست في كل الأحوال ألة التطور الأقتصادي فقد تكون ألة التدمير غذا كانت غير منتجة وهناك تبادل نفعي بينها وبين المجتمعات المنتجة كالمدن الصناعية مثلا .. أنه من غير العادل أتئثار المناطق الحضرية بنحو 60% من الناتج القومي حيث يعتبر هذا عنصر جذب لهذه المناطق وعنصر طرد للمناطق الريفية المنتجة .. ومن هنا أري .. أنه يجب توجيه التنمية الي المجتمعات المنتجة وإلا تحولت بدورها الي غير منتجة .. يجب التشدد في تحديد الحيز العمراني وعدم السماح بتأكل الأراضي الزراعية وتحويلها الي مباني .. يجب التحفظ في أحلال الأراضي الزراعية بالصناعات المستوردة الملوثة حتي لا تتلف باقي الرقعة الزراعية .. يجب الأسراع بتوفير الخدمات للمناطق الزراعية حتي لا يضطر سكانها الي الهجرة بحثا عنها .. يجب التشدد في تحديد الحجم السكاني للمدن وعدم تجاوزه ونشر أفكار جديدة كالهجرة الداخلية لدفع الناس الي تنمية الصحراء والمجتمعات الجديدة .

حسن الهامي محمودThursday, October 29, 2009

قام الكاتب بتشخيص الداء ، ثم قدم الدواء في روشتة من ثماني عقاقير تعالج جذور وفروع الداء ، لقد حزم منخفض صحن القاهرة بمدن صناعية بما يعني ان المخطط الذي اراد اجتذاب سكان القاهرة الي المدن الجديدة قد اصاب القاهرة عن غير قصد بمزيد من التلوث

مشاكلنا ليست في فقر الموارد بل في افتقار التخطيط ثم وهذا هو الاهم ان التعليم يفتقد البعد الاخلاقي و التذوق الجنالي والرؤية المستقبلية

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
97234

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

المقالات الأكثر قراءة
مقالات جديدة
Most Popular Tags