|

مقالاتالفكر والثقافة › في الذكرى المئوية لنظرية النسبية. والاحتفاء بآينشتاين

في الذكرى المئوية لنظرية النسبية. والاحتفاء بآينشتاين

تحتفل أوربا هذه الأيام بالذكرى المئوية لأعظم عبقرية في القرن العشرين، واليوم تتنازع أربع دول تابعية الرجل، ولكن الرجل تبرأ من الدول والسياسة، وحينما دعي ليكون أول رئيس جمهورية لإسرائيل رفض قائلاً: السياسة زائلة والرياضيات خالدة. تعتبر النسبية من أغرب النظريات وأحفلها بالتعقيد، ولكن منها انفجرت القنبلة الذرية، وبقيت زوجة آينشتاين حتى أيامها الأخيرة، لا تفهم كثيرا مما يقوله زوجها.

وغرابة نظرية النسبية من ثلاث: قلب كل المفاهيم التقليدية، وكسر حواجز علوم لتندمج معاً، والوصول إلى معادلات في غاية الأناقة، مثل علاقة (الطاقة) بـ (المادة). ولكن النظرية النسبية لم تولد فجأة من فراغ، بل جاءت قطوف يانعة لأبحاث علماء اقتربوا من الوصول إلى عتبة هذا العالم الجديد، وأشهرهم اثنان: الهولندي هندريك انتون لورنتس والفرنسي الفيلسوف هنري بوانكاريه. فالأول لفت نظره أثناء دراسته لتصرف الإلكترون، أن المعادلات حتى يكون لها معنى، فلا بد من التلاعب بإحداثيات (الزمن). أما «بوانكاريه» الفرنسي فقد كان قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى النسبية، فالرجل درس أعمال «لورنتس» بدقة ليخلص إلى نتيجة تقول: إنه لا بد من «فيزياء جديدة»، ويبدو أن سرعة الضوء حاجز لا يمكن تجاوز سرعته؟!.

وينقل الكاتب الألماني يوهان جروله عن مؤرخ العلوم يورجن رين في مجلة المرآة الألمانية (عدد 3/2005 ص 135)، أن كل ما فعله آينشتاين هو أنه مد يده إلى ثمرات يانعة فقطفها، وبلغة الفيزياء أنه قفز القفزة الأخيرة، فانتقل من «الكم» إلى «النوع»، فالتراكم «الكمي» يقود إلى انقلاب «نوعي»، ودماغ الإنسان لم ينبثق منه «الوعي» لولا الكتلة الحرجة، والفرق في «المورثات» بين الإنسان والشمبانزي لا تزيد عن 1%، ولكن عند حافتها يتحدد مصير الكائن، فإما خرج بشرا سويا أو قردة خاسئين. وآينشتاين كان رجلاً مغمورا يبحث عن وظيفة مساعد في زيوريخ، ولكن سنة العجائب رفعته إلى قمة الشهرة فتخاطفته الجامعات، كما حصل مع سفينتي بيبو الكوبي، الذي وصل إلى علم «أحفورات الجينات Paleogenetic»، ومن أفكاره ظهر فيلم جوراسيك بارك، وكما حصل مع الفيلسوف أيمانويل كانط، الذي دفع وهو على حافة الستين أجمل إنتاجه في وقت متقارب وجون لوك، الذي دفع في سنة واحدة ثلاثة كتب منها ليصبح خالداً في علم الاجتماع السياسي. وابن خلدون حصل معه هذا في كتابه المقدمة التي وصفها بـ «الحكم القريبة المحجوبة»; فلم تأت أفكار ابن خلدون من فراغ، بل كانت ثمرة تخمر طويلة قطفها ابن خلدون، فغيره زرع وهو قطف الثمرة. ليعتبرها المؤرخ البريطاني توينبي «أعظم عمل من نوعه، أنتجه أي عقل في أي زمان ومكان». مع هذا فهناك شكوك تحوم حول النظرية النسبية، فقد تقدم ادوارد ويتكر قبل موت آينشتاين بمراجعة شاملة للنظرية، ليصل إلى القول إن فكرة الزمان ـ المكان هامشية جداً. وقد عرضت قناة «ديسكفري» برنامجاً عن العالم «نيمتس» من كولن في ألمانيا، أنه توصل إلى ما هو أسرع من الضوء خمس مرات، وهذا ينقض حجر الأساس في نظرية النسبية، التي اعتبرت سرعة الضوء ثابتة، وأن كل تجاوز له يخلق استحالة رباعية: استهلاك طاقة لانهائية، وزيادة الكتلة إلى اللانهاية، وانضغاط الطول إلى الصفر، فلا تبقى أبعاد ثلاثية للموجودات، ويتوقف الزمن. وهذه طبيعة العلم أنه ينمو بالحذف والإضافة.
ويبقى السؤال، لماذا آينشتاين تحديدا، هو الذي يكتب الله على يديه هذا الفتح المبين؟ والجواب يأتي من عدة أمور: أولها طبيعة هذا الرجل السيكولوجية، الذي كان يعيش طفولة دائمة لا تنقطع، ويحب العزلة، ولم يأت الوحي للرسول لولا غار حراء.

وأهم ما فعله آينشتاين حين حافظ على هذه الروح، أنه طرق أبوابا (مسلمات)، اعتبرها العلماء مفروغاً منها فوضعها تحت المساءلة، وهذا الذي يحرك التاريخ. وفي يوم قتلت الكنيسة الناس على آرائهم في حركة الشمس والأرض واعتبرت أنه معلوم من الدين بالضرورة، ولم يزيد عن أوهام.

وسن العبقرية حسب دين كيث سايمنتون صاحب كتاب «العبقرية والقيادة والإبداع»، هي بين العشرين والثلاثين فـ«نيلز بور»، قدم نموذجه عن الذرة وعمره 28 سنة، وطرح آينشتاين في سنة واحدة، خمس أفكار ضخمة وعمره 25 سنة، ووصل بول ديراك إلى معادلة الإلكترون السلبي (البوزترون) وعمره 24 سنة، وكانت حلقة فيرنر هايزنبرغ العلمية، التي وصلت إلى مبدأ «اللايقين» في ميكانيكا الكم تعتبر أن من تخطى عمر الثلاثين هرم وشاخ ولم يعد ينفع؟
والمهم في هذه العبقريات دخول شخص من خارج الحقل، وهو ما فعله آينشتاين، وكان من قبل متمردا في عين أساتذته، جعلهم يرسلون له «لفت نظر» لأنه طالب «غير نشيط»؟. ولم يحمل الرجل دكتوراه أو شهادة جامعية، وحار به الأمر كيف يطعم عائلته، حتى أعلن عن نفسه في جريدة «زيوريخ» معلما خصوصيا؟
وهكذا فالحاجة كانت ملحة لمجيء آينشتاين حتى يقفز فوق حواجز (عمى الاختصاص)، التي تشفط صاحبها بأشد من ثقب أسود. ولعل جلوسه في مكتب الاختراعات في (بيرن Bern) في سويسرا، فتح عينيه على الإبداعات التي مرت من تحت يديه، فنظر نظرة من علو، ففهم علل الكون الكبرى مثل معضلة الزمن، واليوم نعرف أن الزمن، مفكك الأوصال في الكون يتدفق بسرعة مختلفة من مكان لآخر، حسب السرعة والكتلة. فيتوقف الزمن مع: «سرعة الضوء» و«ضخامة الكتلة»، وهو يقرب إلى أذهاننا مفهوم الخلود فلا يفترسنا الموت أو تعضنا الشيخوخة. وحين يصف القرآن الجنة «عرضها السموات والأرض»، فهو ومن خلال «النسبية العامة» يقرب لنا مفهوم توقف الزمن في كتلة لا نهائية.
ونحن نحاول اكتشاف العلم والإيمان أنهما وجهان لعملة واحدة، كما اكتشف آينشتاين الطاقة والمادة في معادلة واحدة، وحين يمكن تحويل العلم إلى إيمان وبالعكس فلسوف تتوقف حرب ضارية.

وجاءت الدلائل على صدق النسبية من عدة مصادر: زيادة الكتلة في مسرعات الجزيئات دون الذرية، وانحراف نور النجوم في كسوف الشمس عام 1919 وحضيض عطارد، ثم انفجار القنبلة النووية التي مسحت مدينتي هيروشيما وناغازاكي.
مع هذا فإن مفهوم الأيثر الذي ألغاه آينشتاين يوماً، عاد حياً الآن، ويعتبر العلماء اليوم أن ما بين النجوم ليس الإيثر، بل «الطاقة السوداء» ولا يستطيع أحد أن يقول مم تتكون؟
يقول آينشتاين عن الحقيقة «أن اكتشافها مرة واحدة غير كاف، فهي تشبه تمثال الرخام المنتصب وسط الصحراء تعصف به ريح فيها صر، مهدد بالدفن كل لحظة بعواصف الرمل. وما يحافظ على التماعه تحت ضوء الشمس، هي تلك الأيادي النشيطة الدؤوبة، التي تنفض عنه الغبار باستمرار». حيرت عبقرية آينشتاين الكثيرين، وعندما مات سلم جسمه وديعة للدكتور توماس شتولتز هارفي رئيس قسم تشريح المرضي في جامعة برنستون، فقام بقص الجمجمة، واستخرج دماغ آينشتاين لمعرفة مكان العبقرية، فلم يزد عن 1200 غرام، وقام بتقطيع الدماغ إلى 240 شريحة وأرسلها إلى أهم مختبرات العالم في كندا وفنزويلا والصين، وكانت النتيجة أن دماغ آينشتاين لا يختلف عن دماغ أي أهبل في مصح أمراض عقلية. كل ذلك لأن البحث كان كما يقال في علم الكمبيوتر في «الهاردوير Hard Ware»، وليس البرامج (السوفت ويرSoft Ware).

وقال المتصوفة قديما:
دفن الجسم بالثرى .. ليس بالجسم منتــفع
إنما النفع بالــــذي .. كان بالجسم وارتفع
أصله معدن نفيس .. وإلى أصله قد رجع

الكاتب: خالص جلبي

التعليقات على في الذكرى المئوية لنظرية النسبية. والاحتفاء بآينشتاين (1)

dinaThursday, November 22, 2007

Just one question folks, if Einstein was not not a German Jew, would have we ever heard about him?just a question.

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
93279

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

المقالات الأكثر قراءة
مقالات جديدة
Most Popular Tags