|

مقالاتمقالات تخصصية › شباب غزة. مابين الجنة والجحيم فيزا "مزورة" وتذكرة "مضروبة"

شباب غزة. مابين الجنة والجحيم فيزا

بقلم: ثابت العمور ... لا أدري من أين أبدأ في هذا الموضوع، أمن النهاية التي وصلنا إليها ووصل إليها شبابنا في المنافي وفي الغربة؟!، أم من البداية التي دفعت شبابنا لترك الوطن والأهل للبحث عن فرصة،فاصطدموا بالواقع المرير والعسير، لقد وجدت أنه من الواجب الإتيان على ذكر بعضا من القصص، عل شبابنا يتنبه وينتبه، حتى لا تعاد ذات الروايات وذات المأساة والمعاناة. فلا يمكن للكاتب أن يقفز على الواقع ويبحث في التحليلات والسيناريوهات والإحداثيات والسياسات دون الالتفات لنتائجها وتداعياتها الاجتماعية والاقتصادية بل والحياتية وهذا هو بيت القصيد من التطرق لهذه الإشكالية التي باتت واقعا وحقيقة تعيشها عشرات الأسر الفلسطينية في غزة.

البداية كانت من غزة، وما أدراك ما غزة فيها كل الأشياء أبيضها وأسودها سمينها ونحيفها، وسأسرد القصة على لسان شابين التقيت بهما، هنا حيث ألاف الكيلو مترات بعدا عن غزة، وقد حدثني "م" وهو شاب في الرابعة والعشرين من عمره، فقال: كنت في غزة أبحث عن فرصة أي فرصة لكنها لم تأتي ولم أعثر عليها، فرضيت تارة وضجرت تارة أخرى، حتى التقيت بخيط أوصلني لأحد المكاتب السياحية بغزة "نتحفظ على ذكره"، وعند أبواب المكتب خيل لي بأنني وجدت الفرصة، فمن يرفض السفر إلى ألمانيا والعيش فيها والهجرة إليها مقابل مبلغ "ألف دولار" وتذكرة طائرة ب"700دولار"،هذه فرصة يجب اقتناصها والعمر فرصة، فتدبرت المبلغ "استلفته" على أمل أن أرده عند وصولي لألمانيا، وسلمته للمكتب، "سبحان الله في يومين دبرت المبلغ وكأنه كان قدر مقدر"، ويمضي قائلا: بعد شهر اتصل المكتب وأخبرنا بأن التأشيرات والتذاكر جاهزة وبإمكاننا استلامها لكنها لم تكن لألمانيا ولم تكن تأشيرة واحدة بل اثنتين، واحدة لسنغافورة والثانية لروسيا، يصمت برهة ثم يستطرد مكملا.

بلغنا"س" صاحب المكتب بأنه علينا أن نسافر لسنغافورة، ثم نستقل الطائرة الذاهبة لروسيا والتي ستهبط في ألمانيا "ترانزيت" وهناك نهبط في ألمانيا بعدما نخفي جوازاتنا وكل أوراقنا ونضعهم تحت الأمر الواقع يعني "إحنا داخلين عليكوا من غزة واللي فيها"، وبالفعل مضت أول حلقات المخطط وسافر "م" ومعه صديق آخر"ش" يذكره ببعض التفاصيل التي قد ينساها، وتم الدخول لمصر والوصول للمطار، وهنا تبدأ أول خيوط الجريمة تتكشف تذاكر الطيران "مضروبة" -مضروبة تعني في لغة هؤلاء أن ثمنها سدد عن طريق فيزا مسروقة-، ولكن الحظ العاثر والإصرار على المجهول جعلهم يصعدون الطائرة المتجهة إلى سنغافورة وما هي إلا عشر ساعات حتى تجد نفسك ما بين واقع غزة وحلم سنغافورة، ويبدأ الخيط الثاني يتكشف التأشيرة لسنغافورة مضروبة "يبدوا أن الضرب باتت سمة بعض الناس الذين أخذوا على عاتقهم إرسال شبابنا إلى المجهول أو إلى الجحيم وكأن الضرب الواقع على أهلنا في غزة لا يكفيهم"، وطبعا كان لهم حفاوة استقبال غير طبيعة في المطار تفتيش كامل للحقائب وتفتيش شخصي حتى بصمة اليد وبصمة العين وحتى "الأحذية" تم تمزيقها وتفتيشها وكأن الإرهاب والإجرام يختصر ويختزل في كونك فقط فلسطيني حتى في سنغافورة التي كان يعدنا بها الرئيس الراحل أبو عمار.

ثلاث ساعات حجز "وبهدلة" حتى تأكدوا بأننا لسنا مجرمين ولا إرهابيين حتى هذه اللحظة على الأقل، فتم منحنا شهر للإقامة في سنغافورة، استوقفت "م" هنا لماذا لم تكمل لألمانيا؟ كما كان مخطط فقال تذكرة الطائرة لألمانيا "2400دولار" لا أملك نصفهم، والترانزيت لروسيا مرورا بألمانيا يحتاج لتذكرة لألمانيا نفسها وهذا طبعا المستحيل بعينه، لأن ألمانيا أوقفت اللجوء من عام ودخولك دون وثائق يعني إقامتك في السجن مباشرة والسجن هناك ليس كما يروج له بعض أصحاب المكاتب السياحية أو بعض الأفلام السينمائية، صحيح البعض يصف غزة بأنها سجن كبير لكنها تبقى الوطن ولا يعرف قيمة الوطن إلا الذين كحلوا عيونهم بترابه وكحلوه بدمائهم، غزة إن كانت سجنا عند البعض فإنها جنة الله في الأرض عند الكثيرين على الأقل عند رواة المشكلة وكاتبها وهذا يكفي.

ثلاثة أيام في سنغافورة كانت كفيلة بأن تستنزف كل ما مع "م" وصديقه، وبنهاية اليوم الثالث بدأت المأساة، حتى التذكرة اكتشفنا غير أنها مضروبة فهي أيضا ذهاب فقط يقول "م" وكأن "المكتب" يريدنا أن نذهب ولا نعود، وتمضي المعاناة تشق طريقها ليعرف الشباب بأنه لا سبيل للعودة إلى غزة ولا إمكانية للمضي في سنغافورة، فكانت ماليزيا هي القبلة الوحيدة فهي لا تشترط تأشيرة ولا تذكرة فقط استقل الأتوبيس وخلال ثماني ساعات تكون هناك، وبالفعل كان هذا أحد الخيارات.الوصول لماليزيا كان مختلفا نوع ما عن وصول سنغافورة، ومضينا وهدفنا العمل لتوفير ثمن تذاكر العودة لغزة.أنظروا البحث عن فرصة عمل إلى أين أوصل شبابنا؟.

لا أريد الاستطراد في إحداثيات المأساة ولكن هؤلاء الشباب منذ أربعة شهور وهم هائمين على وجوههم بلا مأوي ولا عنوان ولا استقرار ولا ملاذ ولغاية كتابة هذه السطور وهم لا زالوا يبحثون عن ثمن تذكرة العودة.

الإحداثيات التي تجاوزتها أوردها فقط للعبرة وحتى لا تعاد ذات القصة على صفحات أخرى أولا: أنهم تعرضوا "للنصب" وأخذ كل ما معهم من مال على يد أبناء الدم الواحد والدين الواحد والمصير الواحد والوطن الواحد بل والمحافظة الواحدة، ثانيا : باتت إقامتهم غير شرعية لانتهاء المدة القانونية لوجودهم في ماليزيا، ثالثا: السفارة وحسب روايتهم الحاضر الغائب، هؤلاء خارج الحسبة وخارج التفكير، ومنطق الدبلوماسية الفلسطينية وبحكم معايشتي لها على مدار عشرة أعوام " شو دخلنا إحنا ما إلنا سلطة على حد شو اللي جابهم"، وبعض السفارات يقتضي بروتوكولها أن تقول:" نحن سفارة محترمة ولسنا جمعية خيرية لرعاية العالقين والمتقطعين"، هذا جزء من الواقع المعاش لن أخفيه، فإن كان البعض قد سمح لهؤلاء بالخروج من غزة دون أن يكلف نفسه عناء سؤالهم إلى أين الرحيل، وأنا أجزم أن كل كبيرة في غزة والضفة تحظى برعاية البحث والتحري في أدق التفاصيل نحن سلطتين "حكم ذاتي" أكبر جزء من الموازنة العامة مخصص للأجهزة الأمنية والقمعية والبوليسية وأكثر من سبعين في المائة من اليد العاملة والموظفين والرواتب غير المنتجة فقط في الأجهزة الأمنية، بل لكل مواطن عندنا عشرة رجال أمن، ولكن أين الأمن الذي سمح لهؤلاء بالخروج ولهذه المعاناة والمأساة أن تستمر، أنا اكتفي فقط برواية مشوار سنغافورة ماليزيا، ولم أعرج على مئات الحالات، في اندونيسيا يبحثون عن خوض البحر وصولا لاستراليا بعض الشباب مقطوعة أخبارهم منذ أكثر من عام، ولن أخوض في معاناة العشرات في السجون الأوروبية، اكتفي بقصة هؤلاء ومثلهم هنا ما يزيد عن العشرة.

لا أبيح سرا إذا قلت بأن هؤلاء لا يجدون ما يأكلونه، حتى باتوا .."؟؟"، لن أنطقها ولن أكتبها، هؤلاء هم وقود الثورة وهم بناة الوطن وهم عنوان التغيير، هؤلاء هم المأساة والمعاناة، هل تستمر المأساة في عام الشباب في غزة، وعام دولة المؤسسات في الضفة، يا سادة يا ساسة يا أصحاب القرار تلك واحدة من صور الانقسام ألا يكفيكم ويكفينا الخمس سنوات؟! ماذا ستحكمون وتكونوا مسئولون إذا هرب الشباب وتركوا الوطن ومن يدري فقد نصحوا يوما وقد هرب منا الوطن.

 thabet_press@hotmail.com

الكاتب: ثابت العمور

التعليقات على شباب غزة. مابين الجنة والجحيم فيزا "مزورة" وتذكرة "مضروبة" (1)

امير بكلمتيFriday, September 16, 2011

بجد انت تحكي عن 2 انا متأكد طالعين لا شهادات ولا صنعة متقنينها ولا شي طالعين بيسمعو من ناس ان الشغل مالي الدنيا وهو فعلا الشغل مالي الدنيا بس مو للي متلهم بينت القصة لما حكيت انه انتصب عليهم هدول يشوفو اول طيارة ويجو يرتميو بغزة اللي طالع يشتغل بيطلع بشهادتو وبعلمو وبخبرتو وانا شخصيا اعرف ناس كتير واصدقاء لي طلعت واشتغلت ومبسوطين جدا ما شاءالله عليهم وانا انتظر اكمال جامعتي مع بعض الدورات في مجال تخصصي لكي الحق بهم بدل ما تحكي عن المعاناة برة احكي عن المعاناة بالداخل بالاول ولك مني كل التحية والاحترام

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
87099

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

المقالات الأكثر قراءة
مقالات جديدة
Most Popular Tags