|

مقالاتقصائد شعر وأدب › ابتسامة من نور

ابتسامة من نور

بقلم : محمد علي جنيدي .. كنتُ كلما استبد بي الشوق والحنين لرؤيتها أغمضتُ عيناي في غربتي لتلتقي أرواحنا في عالمها الجميل، هنا وفي هذا المكان الذي لا تسكنه إلا أصوات الطيور وتتعانق فيه أشجار السدر عناق المحبين، أعود كل مساء لأسبح في ذكريات الماضي البعيد - أحياناً - تُدركني غفوة تشرق فيها الأحلام على وجه قلبي الغريب، فإذا ما هدأت نفسي وسكنت الروح الجوارح، عدتُ إلى سكني مستقبلاً فراشي لأصافح فجر يوم جديد، هكذا واسيت نفسي في أيام غربتي.

وفي ذات صباح.. تساءلتُ: لماذا لا أعود!.. لماذا دائماً نغرق في أعماق أحزاننا!، أما آن لنا أن ننقذ الأنفاس المُسافرة في هذا الزمن الأخير!!.. حديث نفس فتح أبواب مشاعري لتسكن أعماقي أسرابُ الضياء من جديد - وبدون مُقدِّمات - وجدتُ نفسي أتقدَّم لجهة عملي بطلب أجازة قصيرة، ويا لها من فرحة حينما تجري الأمور بغير حسابات، أخيراً! سأعود إلى أشجار الوطن وضفاف النيل، أخيراً!.. ستستدير الأيام لحدائق الماضي الجميل.

صعدتُ إلى الطائرة وأنا أقول لنفسي: يا لسعادة النظر إليك يا وطني، ثم أغمضتُ عيني كعادتي وألقيتُ وجهي صوب السحب المسافرة هامساً: آهٍ من النظر إلى عيونك حبيبتي ولطالما أبحرتُ لأعماق الحياة فيها.. هذا جبينك أراه في خاطري وكأنما الصبح قد طلع مُزهراً في آفاق السماء.. وتلك ابتسامتُكِ تجتذبُني وكأنها تعلن لي أن لا مكان لأحزان قلب يراني - وهكذا - وأنا على هذا النحو من التحليق في خواطري إذا بقائد الطائرة يعلن عن سلامة الوصول - الله أكبر - أخيراً لامستُ تبرَك يا وطني.

ختمتُ جواز السفر واستقبلت التاكسي فقال لي السائق: إلى أين تذهب؟.. قلت:لقد حَرَّمْتُ الخُطَى إلا إلى دارها أولاً.. فضحك ملء شدقيه وانطلقنا.. لاحظتُ وأنا أحتضن بعيوني معالم بلدي وشوارعها وطرقاتها من نافذة التاكسي أن زحاماً شديداً ودخاناً كثيفاً قد أحاط بكل شيء، اندفعت إلى دار حبيبتي وقد امتلأتْ أُذناي بضوضاء من كثرتها لم أستطع تمييز ما فيها - سبحان الله! - كل شيء أصبح صارخاً ولا يُطمئن!! على كل حال، صعدتُ إلى دارها، فوجدتُه مُغلقاً، فهبطتُ إلى التاكسي وقلت للسائق: هَلُمّ بي أُلقي بحقائبي في داري وسأُعاود البحث عنها، وحينما سمع ذلك مِنِّي قال: ( جات الحزينة تفرح ما لقتلهاش مطرح ).. وهأ.. هأ.. حتى أنه لم ينقطع ضحكه طوال الطَّريق، تذكرتُ جارتي وصديقتَها ( نها )، أجل يا نها: ستكونين دليلي إليها، ولكن يا لمرارة المُفاجأة وأنا أتجرعها حينما أخبرتني نها: حبيبتك الآن بالعناية المركزة - هنا - خَيَّم الصمت على كل الوجود بعيني وقلت لها وأنا لم أستطع حمل قدماي: يرحمك الله اصطحبيني إليها.

حاولتُ الدُّخول عليها - ولكن - هيهات.. هيهات ومحاذير الأطباء تُحيط بي، وقد كان عزائي الوحيد تلك الحواجز الزجاجية التي لم تمنعني من النظر إلي جسدها وقد استبد به المرض وإلى وجهها وقد أطفأ الإعياء فيه أنوار الحياة، ثم وأنا أنظر إليها منهمراً في دموعي محادثاً روحها الطيبة - فاجأتني - بأن استدارت نحوي وفتحتْ عيناها في عيناي ثم إذا بها تُحييني بابتسامة ردت إليَّ أواصر كياني وكل سعادتي الغائبة ثم أشارت للأطباء نحوي ليأذنوا لي بالدخول عليها، فلما أذنوا لي، تعانقتْ العيون طويلاً..

قالت: حمداً لله على السَّلامة.. قبلتُ يدها وأنا أقول: كوني معي ما عدتُ إلا لنُحيي أيامنا الباقية.

قالت: وهل بقي منها شيء!!

قلت وأنا أمسح دموعي ودموعها: الحاضر لنا والغيب يعلمه الله

قالت: لقد غبتَ عني طويلاً

قلت: وها أنا عدتُ.. فأرجوكِ كوني معي

وهنا وقف الطبيب بيننا وهو يقول: ما يحدث الآن معجزة، ثم التفتَ نحوي قائلاً: أرجوك.. انتظر بالخارج، سأُجري مشاورات مع إخواني الأطباء وتابعنا من خلف الحواجز الزجاجية.

خرجتُ باكياً وقد اختلط بوعاء قلبي مشاعر الفرح والخوف والرجاء.

وها أنا من خلف الحواجز الزجاجية.. أنظر إليها.. قلقاً.. خائفاً.. داعياً ربِّي لها وها هي تُجاوبني وتُطمئن حَيْرَتي ودموعي عليها بابتسامة من نور.

الكاتب: محمد علي جنيدي - شاعر مصرى

التعليقات على ابتسامة من نور (7)

محمد محمد علي جنيديFriday, November 16, 2018

أشكركم لهذه الحفاوة التي لاقيتها منكم، وتلك الحروف الأنيقة والراقية وسامٌ على صدري.. أجل التقدير والاحتراموأجمل الشكر لكمالقاص الشاعر/ محمد محمد علي جنيدي

ايمامنMonday, June 4, 2012

اخي مقالك رائع فيه تعبيرات جد مدهشة تاخذك الى عالم اخر بصفتي شاعرة اقدر كلماتك جدا لانها بعثت في ذهني عبارات رائعة مستوحات من مقالك.
اشجعك والى الامام مع كل التوفيق ان شاء الله

محمدMonday, January 16, 2012

حلوة وعاشت ايدك يا اجمل وارق واحن قلب تحياتي يا غالي

الوافيTuesday, December 7, 2010

يصراحه احلى مقال ومشكورين عليه

صقر بني خالدSaturday, November 20, 2010

بارك الله فيكم على هذا الكلام الرائع واتمنى ان هذا الكلام يتكرر دائما

سامMonday, August 16, 2010

حلوه كتيييييييييييييييير يسلموووو اديكو وانا حابه موقعكو كتير ويا ريت تغيرووووو بالمواضيع لانو مواضيعكو شيقه .....شكرا

حسامTuesday, February 2, 2010

التعليق جامد اوووووووووووي

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
26417

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

المقالات الأكثر قراءة
مقالات جديدة
Most Popular Tags