|

مقالاتمقالات تخصصية › قُل التتار ولا تقل الإخوان‎

قُل التتار ولا تقل الإخوان‎
رحلة الخروج من جماعة الاخوان رحلة شاقة لاشك في ذلك، شاقة من الناحية الشعورية والإنسانية، ووجه المشقة فيها أن إنسانًا عاش عمرًا في ظل الجماعة ومع أفكارها، كيف له أن يتحول عنها ويأخذ لنفسه خيارات أخرى؟ إلا أن التحكمات التنظيمية والفكرية تبيح أحيانًا «الخروجات الإنسانية» فليس في طوق كل الناس الانصياع للاستبداد الإنساني والفكري الذي تمارسه الجماعة على أعضائها، يرضى أحيانا بالاستبداد من كانت نفوسهم تقبل العبودية وترضى بالتطرف، ويتمرد عليها من يرفض الاستبداد، ويمقت «اللون الواحد» ويسعى للتجديد، ومن الطبيعي ان يثبت الانسان على قيمه ومبادئه ولكن من غير الطبيعي أن يظل جامدًا متجمدًا عند فكرة واحدة، ذلك أنه يكون حينئذ قد وضع نفسه في قالب لا يقبل التطور، والإنسان لم يتطور عبر الزمن إلا لأنه أفكاره تتطور، كما أن هناك فارقًا بين الثبات على العقيدة والثبات على الفكرة، فالعقيدة هي النبض الذي يحرك القلوب، ولكن الفكرة هي وجهة نظر صاحبها، وكل الجماعات التي نسبت نفسها للاسلام حملت فكرة والفكرة تنتسب لصاحبها لا للعقيدة، واذا كانت جماعة الاخوان قد بدأت مسيرتها بمنظور دعوي، والدعوة هي تبشير بالدين وليست الدين نفسه إلا أنها بعد سنوات وسنوات حولتها إلى دين، فأصبحت الجماعة عندهم عقيدة، وأصبح الدين لديهم إخوانًا، وتلاعبوا بالفقه فقالوا نحن دين لأن الجماعة تريد أن تستدعي الدين إلى حياتنا وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

ولأنهم ظنوا الجماعة دينًا لذلك وقفوا عند رأي واحد وفكر واحد مع أن في الدين تتعدد الأفهام ويتعدد الصواب وتتنوع الأفكار، فليس الدين لأمة واحدة أو لزمن واحد أو لرجل واحد، ولكنهم جعلوه كذلك في تنظيمهم، لذلك لم يتحمل البقاء في الجماعة من دخلها بحسبها جماعة دعوية مستنيرة تقبل تعدد الآراء، فوجدوا الأمر يختلف عن ذلك، لذلك لم يتحمل كثير من الكفاءات الممارسات الديكتاتورية القمعية، فأصاب بعضهم الاحباط فقبع في مكانه مصابا بالجمود والشلل الفكري، وخرج البعض الآخر هربا ونجاة بعقولهم وقلوبهم، أما عن من بقي في الجماعة فهم اما مجموعة في عمر الشباب من ناحية السن اإلا أنهم يعيشون في كهولة فكرية أشربوها من كهول تيبست أفكارهم وتجمدت، وهؤلاء لا يُنتظر منهم ان يقدموا شيئا للجماعة أوالاسلام أو حتى لبلادهم، ففاقد الشيء لا يعطيه.

وعلى مدار تاريخ الجماعة نجدها وقد تنكبت كثيرًا الطريق الصحيح، وكان من مشاهد تنكبها تغليب العمل السياسي على حساب العمل الدعوي، ثم فقدت الجماعة رشدها الدعوي وباتت مجرد حزب سياسي لا علاقة لها بالدعوة أو الوسطية والاعتدال، ثم أصبحت جماعة ضيقة الفكر والصدر، تضيق بالمفكرين وتصب نقمتها على المبدعين، ففي الجماعات ذات المفاهيم العسكرية لا وجود للإبداع ولا ترحيب بالتفكير، ثم كان أن انخرطت الجماعة في الفكر التكفيري حتى أنها أصبحت تظن أن كل من يعارضها إنما هو كافر يعارض الإسلام ولا يريد الدين، وهذا هو عين منطق الخوارج، ثم تشبهوا بعد ذلك بالخوارج في السلوك السياسي الذي أصبح أقرب لفكرة الغزوة، أو هو غزوة تتارية، تتمسح بالدين وتمارس القتل والإبادة بلا أدنى صلة بالدين والإنسانية، لذلك فإنني اليوم على يقين أن الأمة يجب أن تقف كلها صفًا واحدًا لمواجهة تتار العصر الحديث، وإلا فالبديل سيكون كارثيًا.

الكاتب: بقلم : ثروت الخرباوي

التعليقات على قُل التتار ولا تقل الإخوان‎

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا المقال الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
81799

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

المقالات الأكثر قراءة
مقالات جديدة
Most Popular Tags