|

مقالاترؤية ورصد للأحداث › توقعات تنفيذ التهديدات الروسية للسعودية وقطر

توقعات تنفيذ التهديدات الروسية للسعودية وقطر

نشر الكاتب الصحفي عبدالباري عطوان رئيس تحرير صحيفة «رأي اليوم» الإلكترونية مقالاً مهماً في الصحيفة حول التهديدات الروسية للمملكة العربية السعودية وقطر وتركيا.                      

          

استند الكاتب إلي تقرير سربته القيادة الروسية إلي صحيفة «برافدا» الروسية الموالية للسلطة والواسعة الانتشار، مؤكداً ان هذه التهديدات يستحيل نشرها في صحيفة «برافدا» بدون توجيه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

«الوفد» تعيد نشر المقال نظراً لأهميته الفائقة ربما كان التهديد العنيف والمباشر التي وجهته القيادة الروسية إلي المثلث التركي- السعودي- القطري عبر تقرير سربته في صحيفة «برافدا» الرسمية الأوسع انتشاراً ولوحت فيه بهجمات صاروخية انتقاماً من دوله بسبب رعاية الإرهاب أخطر بكثير من هجمات باريس الأخيرة بمراحل لأن تنفيذ هذا التهديد ربما يشعل فتيل حرب إقليمية أو حتي عالمية.

صحيفة «برافدا» لا يمكن أن تطلق مثل هذه التهديدات دون توجيه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصياً فهي تعتبر الناطقة باسمه وذراعه الإعلامية الأقوي منذ أن كان يتزعم جهاز المخابرات الروسي (كي جي بيه) ولذلك حرصت أي «برافدا» علي التذكير بأقواله التي أطلقها عام 1999 وتوعد فيها «بقتل الإرهابيين حتي ولو في مراحيضهم».

«بوتين» وحسب الصحيفة نفذ وعيده وصفي جميع أمراء الحرب الشيشانيين ودمر غروزني عاصمة الشيشان من خلال قصف سجادي مكثف ولاحق الرئيس الشيشاني سليم خان بندراوف إلي العاصمة القطرية الدوحة واغتاله بعد صلاة الجمعة في وسطها علي يد عناصر مخابرات انطلقت من القنصلية الروسية في العاصمة القطرية في (فبراير) عام 2004 واعتقلت السلطات القطرية المنفذين الثلاثة ثم أفرجت عنهم لاحقاً من التهديدات الانتقامية الروسية.

اللافت في تقرير «برافدا» التركيز علي كل من قطر والمملكة العربية السعودية وجزمت بأن الأولي هي واحدة من منظمي العمل الإرهابي في صحراء سيناء المصرية واستغربت بقاء المملكة العربية السعودية دون عقاب، رغم انها مسئولة عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر علي برج التجارة العالمي في نيويورك.

 

العلاقة بين دولة قطر والدولة الروسية لم تكن جيدة علي الاطلاق، بل متوترة لأسباب سياسية وأخري اقتصادية فـ«قطر» لم تخف علي الاطلاق دعمها للحركات الإسلامية وحركة «الإخوان المسلمين» خاصة الأمر الذي يصيب وتراً حساساً في موسكو، حيث تواجه نشاطاً مكثفاً لجماعات الإسلام السياسي في جمهوريات القوقاز الإسلامية وبما يشكل قلقاً أمنياً انفصالياً بالنسبة للحكومة الروسية.

وتروج السلطات الروسية نظرية تقول ان الدعم القطري اللامحدود للمعارضة السورية المسلحة واصرارها علي إسقاط النظام السوري وضخ المليارات من الدولارات في هذا الصدد جاء بسبب رفض الرئيس بشار الأسد لمد أنبوب غاز قطري عبر أراضيه إلي تركيا لمنافسة الغاز الروسي.

ملاسنات عديدة حدثت بين وزير الخارجية الروسي «لافروف» ونظيره القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني لدرجة ان الأول في إحداها سخر من حجم دولة قطر وهدد بمحوها من الخريطة ولوحظ أن أمير قطر الحالي الشيخ تميم بن حمد ألغي زيارة قيل انها كانت مقررة إلي موسكو الشهر الماضي ولم يصدر أي تعليق من القيادة الروسية حول هذا الإلغاء الذي جري تسريبه في صحف قطرية وقوبل بالتجاهل التام.

المملكة العربية السعودية حاولت استمالة موسكو إلي جانبها من خلال اغراء قيادتها بعقود أسلحة ومفاعلات نووية واستثمارات اقتصادية بعشرات المليارات من الدولارات، وكان الطلب الوحيد هو التخلي عن الرئيس السوري بشار الأسد، وزار الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي موسكو مرتين علي الأقل هذا العام ولكن من الواضح ان كل هذه الاغراءات المالية لم تغير موقف روسيا الداعم للنظام السوري.

الرئيس «بوتين» لا يمكن أن ينسي للمملكة العربية السعودية ودول خليجية أخري دورها في الهزيمة المذلة للاتحاد السوفيتي وقواته في أفغانستان من خلال إنفاق أكثر من 20 مليار دولار لدعم المجاهدين الأفغان في الثمانينيات من القرن الماضي ومن غير المعتقد انه سيسمح بتكرار الهزيمة نفسها في سوريا.

الاتحاد السوفيتي كان في حال هبوط وتفكك أثناء حرب أفغانستان وأمريكا كانت في حال صعود، أما الآن فالوضع اختلف، فروسيا الآن تتمتع بقيادة شابة قوية وباتت في حال صعود بعد استعادة معظم قوتها العسكرية والاقتصادية بينما تتسم القوة الأمريكية بالضعف والتراجع بعد أن استنزفتها حروب الشرق الأوسط.

وإذا كانت من الصعب علي «بوتين» أن يغفر لقطر وتركيا دورهما في محاولة تدمير سلاح بلاده الاستراتيجي (الغاز) عبر خط الأنابيب عبر سوريا فإنه لا يمكن أن يتسامح مع الدور السعودي في إغراق الأسواق العالمية بالنفط لإلحاق الضرر باقتصاده وحليفه الإيراني بسبب دعمهما للنظام السوري ووصلت الجرأة (ولا نريد استخدام كلمة أخري) بالسيد عادل الجبير وزير خارجيتها إلي الحديث بنبرة تنطوي علي التحدي والغرور في مؤتمر صحفي مع نظيره الروسي «لافروف» في موسكو عندما شدد علي رحيل الرئيس «الأسد» سلماً أو حرباً الأمر الذي دفع «لافروف» بالتمتمة عبر ميكروفون مفتوح، واصفاً ضيفه السعودي بالحماقة وبادر إلي العبث بهاتفه المحمول ومطالعة رسائله أمام الكاميرا في تجاهل كامل له.

ماذا يمكن أن تفعل موسكو وهل ستنفذ تهديداتها وكيف؟ لا نعرف ما يدور في عقل الرئيس «بوتين» ولكن هناك عدة احتمالات:

الأول: الإرهاب.. «بوتين» الذي ترأس جهاز المخابرات الروسي لسنوات يعرف مدي فاعلية هذا السلاح ويملك خبرة طويلة به، وكانت «برافدا» جريئة ومتحدية عندما اعترفت بوقوفه شخصياً خلف اغتيال الرئيس الشيشاني في الدوحة.

الثاني: القصف بصواريخ بالستية.. وهناك إشارة عن أن قصف مواقع «الدولة الإسلامية» في الرقة من قواعد صواريخ في البحر الأسود رسالة قوية للدولتين أي قطر والسعودية في هذا الصدد.

الثالث: تحريك جماعات معارضة داخلية ودعمها بالمال والسلاح وهناك أقليات شيعية مضطهدة يمكن أن تكون أداة فاعلة في هذا المضمار.

الرابع: دعم التحالف «الحوثي الصالحي» في الحرب ضد التحالف العربي الذي تقوده السعودية بالمال والسلاح.

صحيفة «برافدا» نقلت عن الكاتب الروسي يفغيني ساتانوفسكي المقرب من «بوتين» تحريضاً مباشراً ضد السعودية وقطر وقال فيه «ان هاتين الدولتين يجب أن تخافا من موسكو كما يخاف المرء من الطاعون» ملمحاً إلي أن موسكو استولت علي برلين دون التشاور مع أحد.

لكن ما هي التغطية القانونية التي يمكن أن تندثر فيها القيادة الروسية في حال إقدامها علي شن حرب صواريخ أو هجمات إرهابية ضد الدولتين؟ الجواب جاء في تقرير «برافدا» ويتلخص في اللجوء إلي المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي استخدمتها الولايات المتحدة لتشريع هجومها علي أفغانستان بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وهي المادة التي تقر حق الدفاع عن النفس.

«بوتين» يعتقد ان إسقاط طائرة روسية بعد إقلاعها من شرم الشيخ ومقتل ركابها وطاقمها (224 شخصاً) هو بمثابة إعلان حرب علي دولته تماماً علي غرار أحداث سبتمبر واتهم قطر صراحة بدور في العمل الإرهابي.

تحالف جديد بقيادة روسيا يتبلور يضم مصر وإيران والأردن وربما دولا أخري فالعلاقة بين العاهل الأردني والرئيس «بوتين» قوية جداً علي المستويين السياسي والشخصي والشيء نفسه مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والرئيس «بوتين» يزور إيران حالياً وربما لبلورة استراتيجية موحدة في هذا المضمار.

المخرج الوحيد لتجنب هذه المواجهة الخطرة بالنسبة إلي قطر والسعودية وبدرجة أقل تركيا هو مراجعة السياسات «المتصلبة» في الملف السوري، والحرب علي الإرهاب فهذه السياسات لم تحقق أي نجاح ملموس طوال السنوات الخمس الماضية، بل بدأت تعطي نتائج عكسية.

يجب أن تدرك الدولتان أن الزمن يتغير وموازين القوي تتغير أيضاً وأسعار النفط والغاز في هبوط متسارع ومعها القدرات المالية الضخمة وأمريكا «أوباما» لن تخوض أي حرب ضد الروس من أجلهما.

الأمر يتطلب المرونة والحكمة وأول خطوة في هذا الإطار إسكات السيد «الجبير» ووقف تصريحاته الاستفزازية وأعتقد ان صمته الذي اقترب من أسبوعه الأول يوحي بالكثير.. ولعل رسالة «بوتين» وصلت وبدأت تعطي مفعولها.. والله أعلم.

الكاتب: عبدالباري عطوان

التعليقات على توقعات تنفيذ التهديدات الروسية للسعودية وقطر

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا المقال الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
90359

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

المقالات الأكثر قراءة
مقالات جديدة
Most Popular Tags