حتى هذا الرمضان، حيث اكتسح نبأ الإعلان عن كون هذا الموسم هو الأخير من السلسلة التي وصلت إلى إحدى عشر جزءاً، ليحتدم النقاش حول خبر التوقف، ما بين مستاء و بين باحث عن السبب. ولكننا في هذه المقالة، نستعرض جانباً آخر من الخبر. ما الدورس المستفادة، لا من برنامج “خواطر”، بل من قرار التوقف.
هل تعلم ما الفرق بين سير حياة اللاعبين “مارادونا” الأرجنتيني، و”زيدان” الفرنسي في الملاعب؟ إنها النهاية.
كلاهما ستذكر لهما قصة نجاح وكفاح في البداية، ولكن أحدهم اغتر بنجاحه حتى خرج من الملاعب والكل يرثي لحاله، والآخر قرر أن يترك الملاعب وهو على سفح الهرم، نهائي كأس العالم.
الأول كلما ذكروا قصته، شاب نهايتها ذلك السقوط المريع، وسيعلقون على اعتزاله أنه كان أمراً لا بد منه، بل جاء متأخراً. وأما الثاني كلما ذكروا قصة نجاحه، سيرددون في أسف “ليته أكمل، لقد كان على القمة دون منازع”.
وأسترجع هنا رد د.أحمد خالد توفيق، حين توقف عن الكتابة فترة طويلة، فحين سألوه لماذا لا تكتب؟ فرد “إني أفضل أن يقولوا لم لا يكتب، عن أن يقولوا لم يكتب !!”. أي أن العبرة لا بأن تستمر، بل كيف تحافظ على نجاحك وسيرتك المهنية.
حين فشل Gonzo Arzuaga في إدارة مشروعه KillerStartups، عرض نطاق الموقع للبيع، وكتب على الصفحة خمسة أسباب يراها أدت به إلى الفشل. كان أبرزها “اعرف متى تطوي خيمتك”.
حيث كان يسخر من رواد التنمية البشرية الذين كانوا يصرون على إقناعك أن تستمر في الحفر، لأنه هناك ماسة، ربما حين تتخلى عن الحفر، تكون هي على بعد فأس. ولكنه يري أنه من الأفضل أن يعلموك متى تعلم أن الخسارة بدأت، وأنه لا بد من توقف نزيف المجهود وتحويل الحفر إلى مسار آخر.
ربما يتوقف “خواطر” اليوم وهو على قمة الهرم، ليحافظ على اسم مشروع برنامج “شبابي” عربي بسيرة طيبة مهنياً، بدلاً من أن يدخل في مواسم تنخفض فيها التوقعات، ويبدأ الجمهور في الانصراف عنه، وحينها يضطر إلى التوقف في نهاية لا يستحقها.
المشكلة هنا، أن أي مدع أنه صاحب فكر “إصلاحي” وما إلى ذلك، ربما قد ينجح بالفعل في وضع استراتيجية فعالة ويستطيع بها لم شمل جماهير عريضة لأفكاره. وعاماً بعد عام، تزداد مساحة الجماهير وتصل الأفكار إلى فئات عدة. ولكنه في النهاية ينسى أهم خطوة بعد كل ذلك، هو أن يمرر الشعلة.
للأسف أغلب ألوية الفكر لدينا، لا يزالون يجدون أنه من الصعب على أحد منهم أن يفسح المجال لجيل آخر في مسيرته، فتراه حتى يموت وهو متمسك بالقيادة وبتوجيه الأفكار، وحتى إذا ما مات، خرج لواء غيره جديد يعيد نفس الكرة، مجرد سباق فردي، ولا مجال لسباقات الماراثون المتواصلة.
مشروع نهضة الأمة العربية، كما سباق طويل، لا يقدر عليه فرد، ولا حتى أفراد متفرقون، بل لا بد من فريق ماراثوني، يسلم كل فرد فيه الشعلة لمن يليه بعد مدة من الزمان. ليكون لدينا مشروع فكري متصل. وهكذا “خواطر”، لا بد أن يفسح المجال الآن لمشاريع أخرى أفضل، تكمل السباق وتستن سنة تسليم الراية بعد كل فترة.
رغم أن الكيان العملاق بالماضي “مايكروسوفت” قد نال العديد من السقطات الاقتصادية والتي جعلته يخسر من الرصيد الكثير في سوق التكنولوجيا، إلا أن المؤسس “بيل جيتس” – و بعد كل تلك السنوات – لم يخرج بعد من قائمة أثرى أثرياء العالم. والسبب أن “بيل جيتس” يعلمنا مبدأً جميلاً، أن النجاح مفهوم لا غاية. فـ “بيل جيتس” رائد التكنولوجيا، حينما حاول أن يحافظ على ثروته، لم يتردد أن يجرب صناعة قصص نجاح أخرى في قطاعات كالسياحة والفندقة وغيرها. فالرجل يفكر أنه لماذا يحصر نفسه في “التكنولوجيا” ؟! أليست مجالات النجاح كثيرة، لم لا يجرب حظه فيها هو أيضاً.
يعيب الفرد أنه ما إن يهتدي إلى سبيل نجاح، حتى يركن إليه تماماً، ويتخلى عن مفهوم النجاح نفسه. فلا يحاول أن يجرب هنا وهناك. وينسى أن النجاح مفهوم، عليه أن يسعى دوماً لتطويره سواء في مجاله أو مجالات أخرى، وأن وصوله للنجاح ليس الغاية، بل بداية الطريق.
وربما يكون للشاب “الشقيري” – الذي علمنا أنه جاوز الأربعين- أهداف أخرى في تجربة إدارة مشاريع من نوع مختلف، سواء في المجال الإعلامي أو بعيداً. ولذا أظن أن الشقيري لن يتوقف بعد هذا البرنامج، وستكون له ومضات بين الحين و الآخر في تجارب يعتمد فيها على جواد رهانه دوماً، الشباب.
يعيب الكثيرون على خواطر، أنه يجمع حوله الملايين من الشباب كل موسم، ولكن الموسم ينفض دون أن نرى أولئك الذين يتابعونه وقد تغيروا كثيراً، حتى إن هناك من قال أن الناس تُعجب بالجو العام للبرنامج دون تأثر بالأفكار. ووصل الأمر بالبعض إلى الادعاء أن “خواطر” توقف حين يأس من تغيير المجتمع.
ولكني أعارض هذه الفكرة، ولا أظن أن اليأس قد وصل لخواطر. فالناموس الكوني أن المصلحين والمؤمنين، هم كتلة حرجة، لا يُحسبون بالعدد. لربما يتابع البرنامج عشرون مليوناً، والسلبية لا تزال تسكن قلوب 99% منهم. ولكن هذا ليس بالشيء المحزن، لأن أولئك السلبيون ضعفاء، لا يستطيعون التغيير، ويبقى الرهان على هذا الواحد بالمائة الذي يستضعفونه الغالبية لقلة عدده، ولا يعلمون أن قصص نجاح الشعوب قامت على أيدي أعداد أقل من ذلك بكثير. لذلك أسموها “كتلة حرجة”، ربما يضأل حجمها، ولكنها إن تحركت، قادت الملايين في ليلة وضحاها.
وكذلك أفكارك، لا تغتر بأن لأفكارك آلاف المتابعين، ولا تبتئس بقلتهم أيضاً. بل كن مؤمناً أن المؤمنين حقاً بأفكارك هم قلة، والقادرين على التحرك أقل بكثير، وأولئك هم من يكون عليهم الرهان. ولهم يوم سينتفضون فيه، شريطة ألا تتوقف عن الإيمان بوجودهم.
أتعلم ما هي أهم رسائلك؟ إنها الوصية، آخر كلماتك قبل الرحيل، تلك التي سيتذكرونها من بعدك أكثر.. ويحرصون على تنفيذ ما فيها، لأنها آخر ما بقي لهم منك. لذا تجد الناس يحرصون على التفكر جيداً في هذه الرسالة، وكيف ستكون كلماتها، ويعطونها من العناية ما لم يعطوا أي كلمات من قبل.
وكذلك موسم “خواطر” الأخير، لم يتم الإعلان عن كونه أنه الأخير حتى أيام قبل انطلاقه، حتى يتفرغوا تماماً لإتقان كلماتهم الأخيرة دون ضغط من الجماهير. سترى فريق العمل قد صاغ هذا الموسم ليضع كلمة أخيرة في أهم المواضيع التي تناولها مراراً في مواسم سابقة. يحاولون أن يقدموا خلاصة الأمر، عل أحداً يستوعب الفكرة ويحاول أن يكملها فيما بعد، وهذا ما أظنه سيحدث، بل و يحدث.
كلمة أخيرة.. لا مجال للشك، أننا مررنا ببرنامج عربي لم يعلم أصحابه إلا الإتقان و رفع مستوى معايير النجاح للمشاهد العربي. و لكن أملنا أن تنجح الفكرة أكثر حين تشجع الآخرين على إنتاج محتوى أفضل في أيام قادمة. وليستمر مستوى الرقي الإعلامي في الصعود، لا ليقف عند تجربة “خواطر”.
الكاتب: أبـو بكـر سليمـان - arageek.com
شركه ميراكل ليزرWednesday, November 18, 2015
كلام جميل