|

مقالاتمواضيع عامة › من ذكرياتي في ميدان التحرير .

من ذكرياتي في ميدان التحرير .

زرت مصر مرات عديدة قبل الثورة و أثناءها وبعدها .. ومصر لها مكانة خاصة في قلبي فعدد كبير من أساتذتي من المصريين و هناك من رفاقي و ممن زاملوني في التخصص من المصريين أيضا .. كما شرفت أن شاركت في تعليم بعض الأطباء المصريين.

مصر لها مذاق خاص في نفسي فهي بوصلة العرب ، و أي مثقف أو مختص عربي يجد نفسه يطوف حول مصر شاء أولم يشأ دون أن يدري.

و لأني باحث في مسائل النفس البشرية و مهتم بالوضع السياسي في مصر وكيف أثر على نفسية الإنسان المصري ذهبت إلى مصر أيام الثورة قبل سقوط حكم مبارك، وسكنت في أحد الفنادق التي كانت تطل على التحرير تماما، وكنت أنزل إلى الميدان وأرى الناس فيه.

لست سياسيا لكني مختص نفسي يريد أن يرصد التغيرات النفسية التي تحدث للشعوب، زرت مصر مرة أخرى في الذكرى الأولى لثورة 25 يناير ، ذهبت إلى هناك وكنت مع الحشود التي تسير في ميدان التحرير، كنت أجلس في مقاهي التحرير معي ورقتي وقلمي أشرب السحلب والمانجو وأنظر إلى فرحة المصريين.

في التحرير رأيت معجزة إلهية فقد رأيت موجاً بشريا يتناغم مع نفسه بشكل رائع.. في التحرير رأيت من كان يحلم قديما بالثورة الفرنسية وكأني بعينيه تنطقان : لو عاد الزمن بفرنسا لحلمت بمثل ثورة مصر.. رأيت في التحرير حجيجاً بلا أمن ينظمهم.. يطوفون بلا كعبة ويسعون بلا صفا و لا مروه .

في التحرير رأيت المصري الذي كان قبل الثورة يبتسم بلا سعادة وقد امتلأ صدره بعدها سعادة.. في التحرير رأيت الصليب يعانق الهلال في انسيابية ناعمة ورأيت الليبرالي يصادق السلفي في علاقة جميلة تتجلى فيها الألفة خالية من الخوف لأن النفسية المصرية التلقائية تجاوزت حالة الخوف التي كان يشعر بها المصري.

في التحرير كانت هامة الميدان أكبر من أي هامة ، رأيت الممثلين ورأيت اللاعبين ورأيت غيرهم من مشاهير مصر، لكن الناس لم يعيروهم البال رغم أنهم يقدرون بعضهم تقديراً كبيراً ، ذلك أن هامة الميدان كانت أكبر من كل هامة.
رأيت في التحرير ذوباناُ رائعا للعصبية والتعصب ،فالقدرة على التغير في شخصية المجتمع المصري أمر ساحر، ترى الشخصية المصرية فتظنها سهلة الفهم أيما سهولة وإذا دخلت بها فإذا هي مركبة معقدة التركيب أيما تعقيد ، الشخصية المصرية تحتاج إلى درجة عالية من التأمل .. إنها تذكرني بلغة الشعر المهجري ،حينما تسمعه تقول ما أبسط ذلك الشعر وأسهله و حينما تحاول أن تقول مثله تجد نفسك عاجزاً أن تنطق ببيت واحد.

تلك هي ثورة مصر وتلك هي الشخصية المصرية المتفردة التي رأيت.

أ.د.طارق الحبيب
بروفسور واستشاري الطب النفسي
الأمين العام المساعد لاتحاد الأطباء النفسيين العرب
Twitter: @Talhabeeb

الكاتب: أ.د طارق الحبيب

التعليقات على من ذكرياتي في ميدان التحرير .

كن أول شخص وأضف تعليق على هذا المقال الآن!

أكتب تعليقك
إسمك
البريد الإلكتروني

لن يتم إظهار بريدك الإلكتروني مع التعليق

الرقم السري
52774

من فضلك أكتب الرقم الظاهر أمامك في خانة الرقم السري

المقالات الأكثر قراءة
مقالات جديدة
Most Popular Tags